التعليم المعزز بتكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة
ورقة علمية وصول مفتوح | متاح بتاريخ:31 مارس, 2020 | آخر تعديل:23 مارس, 2022
يعيش العالم اليوم على وقع الثّورة الصناعية الرابعة، حيث تسارعت تجلياتها وتعاظمت تأثيراتها في مختلف مجالات النّشاط البشريّ، وأصبحت تشكل إحدى أهم القوى المؤثرة في المجتمعات معرفيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا وسياسيًّا. وتتميز الثورة الصناعية الرابعة بمجموعة من التكنولوجيات الحديثة التي تدمج العوالم الفيزيائية والرقمية والبيولوجية، والتي تؤثر على جميع التخصصات والاقتصادات والصناعات، وحتى الأفكار والتحديات المتعلقة بمفهوم الإنسانية . لقد مكّن ذلك من استخدام ودمج وتطويع العديد من التكنولوجيات كالذكاء الاصطناعي، وأنظمة الحوسبة والواقع الافتراضي والروبوتات وسلاسل الكتل وإنترنت الأشياء، وما إلى ذلك، لتحقيق التحول الرقمي في شتى المجالات، ولا سيما في مجال التعلّم والتعليم.
وفي ظل التطور المتزايد والسريع في استعمالات تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة، ظهرت العديد من التوجهات المتجددة ذات صلة بالعملية التعليمية ومكوناتها وعناصرها، مما ساهم في تطوير التعلم الذكي والمفتوح والشامل للجميع، وهو ما يتوافق والأولويات العالمية والمبادئ الشاملة في مجال التعليم، وخاصة الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة 2030 والمتعلق بضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع. ومن أهم الإمكانات الكامنة في تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة واستخداماتها في مجال التعليم، نذكر بالخصوص الذكاء الاصطناعي، الواقع الافتراضي والواقع المعزز وتكنولوجيا الحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء والروبوتات وتكنولوجيات الجوال والموارد التعليمية المفتوحة ودروس الموك وشبكات التواصل الاجتماعي والبيانات الضخمة وتحليلات التعلم، والترميز، والأخلاقيات وحماية الخصوصية، إلخ.
ومن هذا المنطلق، بات جليًّا أن الوظائف التي سيتم إحداثها في المستقبل القريب ستكون مختلفة تمامًا عن الوظائف المتوفرة اليوم، مما يتطلب إعداد قوة عاملة متمكنة من تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة وقادرة على استغلالها على الوجه الأمثل. لذلك يحتاج الطلاب اليوم إلى مهارات رقمية جيدة وقدرات على التأقلم وتطويع التكنولوجيات المستجدة، كما يحتاجون إلى تعليم يرتكز على الابتكار والمشاركة والإبداع والتجديد والتفكير الناقد والمتطور وحل المشكلات حتى يتمكنوا من التكيف مع عالمهم المتغير. وهذا ما يميز ما اُصْطُلح على تسميته بالجيل الرابع من التعليم أو اختصارًا “التعليم 4.0”. إن من أهم التطورات التكنولوجية التي يرتكز عليها التعليم 4.0 هو استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وتحليلات التعلم والتعلم المفتوح والدائم، بغية تقديم تعلّمٍ مُستمرٍ ومرن ومشخَّص ومُخصّص ومُفصّل للطلاب، وذلك حسب احتياجاتهم واهتماماتهم وخصائصهم ومستوياتهم وفهمهم ، مما يجعل التعلّم أكثر فعاليةً وتحفيزًا ومتعة.
ويُمكّن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم، بالاستفادة من القدرات الحاسوبية الهائلة وتوفر البيانات الضخمة، من خلق فرص جديدة لتعزيز التعليم وإحداث سبل أكثر مرونة وتكييف للمعلم والمتعلم على حد السواء. ونجد اليوم العديد من الأمثلة لأدوات الذكاء الاصطناعي المتوفرة والمستخدمة في التعليم كأدوات الترجمة الآلية للمحتويات التعليمية، وأدوات المرافقة الذكية للطلاب ، وأنظمة التوصية الآلية ، إلخ. ويمكن الاطلاع بهذا الخصوص على تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة – يونسكو، حول الذكاء الاصطناعي، والذي صدر كخلاصة للندوات واجتماعات الخبراء التي انتظمت على هامش فعالية أسبوع التعلم الجوال، باريس 2019. حيث تم التباحث حول الفرص التي تقدمها تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي واستخداماتها في التعليم وكيف يمكن للحكومات والمنظمات الاستفادة منها لتسريع تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة. كما يمكن الاطلاع على تقرير Horizon Report الصادر عن جمعية Educause حول أهم التوجهات الجديدة في مجال تكنولوجيات التعلم حيث تم تقديم أمثلة على استخدامات أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي.
كما يتميز الجيل الرابع من التعليم بسهولة الوصول للتعلم وديمومته Ubiquitous learning، حيث يُمْكن التعلّم سواء داخل المؤسسات التعليمية أو خارجها، أي حينما وكلما وأينما وكيفما يشاء المتعلمBYOT Bring Your Own Technology & BYOD Bring Your Own Device، مما من شأنه أن يساعد على تطوير القدرات بشكل مستمر وتشاركي من قبل الجميع مدى الحياة. كما ساهم بروز تيار التعلم المفتوح في تحقيق انتشار المعارف والوصول للتعليم الجيد والمرن والشامل للجميع، لاسيما عبر الموارد التعليمية المفتوحةOER Open Educational Resources المتاحة عبر المنصات المتخصصة . والموارد التعليمية المفتوحة هي موارد التعليم والتعلّم والبحث والتي تندرج في الملك العام أو تم إصدارها بموجب ترخيص مفتوح يتيح للآخرين الانتفاع المجاني بها واستخدامها وتكييفها وإعادة توزيعها بدون أي قيود أو بقيود محدودة. وتمثّل الموارد التعليمية المفتوحة فرصة استراتيجية لتعزيز تبادل المعارف وبناء القدرات والوصول الشامل إلى موارد جيّدة للتعلم والتعليم، وبالتالي دعم عملية التحوّل الرّقمي في مجال التعليم. كما مهدت حركة التعلم المفتوح والموارد التعليمية المفتوحة والطلب المتزايد للتعلم مدى الحياة والعابر للحدود والمدعم بالتكنولوجيات الحديثة، في ظهور نمط تعلمي حديث أُطلق عليه اسم دروس الإنترنت المفتوحة عالية الاستقطاب أو ما يُعبر عنه اختصارا بالموك MOOC Massive Open Online Courses، وقد انتشر هذا النوع من التعليم في جميع أنحاء العالم وأصبح محبذا ومطلوبا لدى جميع الفئات العمرية باختلاف مشاربهم وأهدافهم التعليمية. ويُنظر إلى دروس الموك على أنها مفتوحة وتشاركية، تُقدَّم عبر شبكة الإنترنت، وتستهدف أعدادًا كبيرةً من المشاركين، ويمكن الوصول إليها من قبل أي شخص من أي مكان، دون مؤهلات مسبقة الالتحاق، وتُقدَّم غالبًا مجاناً. لذلك يمكن أن توفر دروس الموك فرصًا هائلةً للتعلم مدى الحياة وكذلك للدخول إلى التعليم دون تكلفة أو بتكلفة محدودة، مما سيساهم حتمًا في زيادة فرص الوصول إلى التعليم لجميع أنواع المتعلمين (الرسميين وغير الرسميين) .
وفي ظل التطور المتزايد والسريع في أنماط التعليم المعزز بتكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة، بات من الضروري إكساب المعلمين المهارات المطلوبة لمواكبة المستجدات التكنولوجية وحسن استخدامها وتوظيفها في ممارساتهم التعليمية، مما من شأنه أن يدعم تحقيق التعليم الجيّد والشامل ويعزز فرص الوصول إلى اقتصاد المعرفة. ومن هذا المنطلق، تم التأكيد خلال المنتدى العالمي للتعليم الذي عقد في إنشيون 2015 على أهمية تدريب المعلمين على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم، كما أكد إعلان تشيغنداو 2015 على أهمية تنمية مهارات المعلمين المهنية بغية إدماج تكنولوجيات المعلومات والاتصال في عملهم بفعالية. وبهذا الخصوص، وضعت منظمة اليونسكو إطارًا دوليًا مرجعيًّا يحدد الكفاءات اللازمة لضمان التعليم بفعالية بالاستفادة القصوى من تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة، وهو ما يعرف بإطار عمل اليونسكو لتنمية كفاءات المعلمين في مجال تكنولوجيات المعلومات والاتصال . وقد أخذت النسخة الثالثة لإطار الكفاءات في الاعتبار خطة التنمية المستدامة لعام 2030، بمراعاة المبادئ الشاملة المتعلقة بعدم التمييز والانتفاع المنصف بالمعلومات والمساواة بين الجنسين، وكذلك بمراعاة التقدم الحاصل على صعيد تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة واستخداماتها في التعليم مثل الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيات الجوال والموارد التعليمية المفتوحة، وذلك من أجل تعزيز بناء مجتمعات المعرفة الشاملة للجميع.
وفي هذا الإطار، يقدم مركز مدى بالتعاون والشراكة مع وزارة التعليم والتعليم العالي بدولة قطر، من خلال برنامج إعداد المعلّم المبدع، برنامجًا تدريبيًّا متنوعًا وشاملًا ومتكاملًا، باستخدام أحدث الأدوات والمنظومات التكنولوجية، لفائدة المعلمين بهدف تمكينهم من أحدث التكنولوجيات المتاحة وحسن استخدامها وتوظيفها وفق أفضل الطرائق والاستراتيجيات وحسب السياق في الفصول الدراسية الشاملة. ويمكن الاطلاع على البرنامج والدورات التدريبية والتفاصيل ذات العلاقة باتباع الرابط الآتي: ….
د. مُحمّـد كُـثـيَّـرالخريــبـي
خبيـر دولي – تكنولوجيات التعلّم
محمد كُثيّر الخريبي، دكتور ومهندس مختص في تكنولوجيا المعلومات والاتصال وعلوم الحاسوب، وهو خبير دولي في تكنولوجيات التعلّم، ومدرس وباحث جامعي في جامعة تونس بالجمهورية التونسية. اضطلع الدكتور الخريبي بمسؤوليات عدة في الجامعة التونسية، كما عمل في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) كأخصائي برامج، حيث قام بإدارة وتنسيق العديد من المشاريع المتعلقة بمجال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم كالتعلّم الذكي والموارد التعليمية المفتوحة ودروس الموك وتكنولوجيا الجوال والحوسبة السحابية والرفع من كفاءة المعلمين في استخدام التكنولوجيا في التعليم، إلخ. وذلك بالتعاون والشراكة مع العديد من المنظمات الإقليمية والدولية، على غرار اليونسكو والاتحاد الدولي للاتصالات والمنظمة الدولية للفرنكوفونية ومنظمة الكومنولث للتعلّم فضلًا عن السلطات المحلية والوزارات الوطنية ذات العلاقة. شارك كخبير دولي لدى اليونسكو في إنجاز عديد الأنشطة والبرامج كمسرد/ قاموس مصطلحات الإنترنت وأدلة ودراسات ودورات تدريبية حول الموارد التعليمية المفتوحة وإطار اليونسكو للرفع من كفاءة المعلمين في استخدام التكنولوجيا في التعليم في الدول العربية والنهوض بالموارد التعليمية المفتوحة في التعليم العالي ببلدان الساحل الإفريقي. كما ساهم في تأسيس الجامعة الافتراضية بتونس عام 2002 حيث شغل منصب مدير قسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لغاية 2009. كما عمل مديرًا لقسم التعلّم الإلكتروني بجامعة القيروان بتونس لغاية 2014. وهو عضو في مختبر L @ tice بجامعة تونس، وعضو في جمعية IEEE. أما اهتماماته البحثية فتشمل التعلم المعزز بالتكنولوجيا؛ ونظم التوصية التعليمية؛ والتعليم المفتوح والموارد التعليمية المفتوحة؛ تحليلات التعلم؛ التعلم الآلي؛ الذكاء الاصطناعي. وله العديد من المنشورات المتعلقة بالتعلم الإلكتروني في الكتب العلمية والمجلات والمؤتمرات الدولية.