التكنولوجيا المساعدة والصحة العقلية

التكنولوجيا المساعدة والصحة العقلية

حمد السناوي

ورقة علمية Online وصول مفتوح | متاح بتاريخ:15 أكتوبر, 2023 | آخر تعديل:15 أكتوبر, 2023

ملفّ PDF نفاذنفاذ 23

الملخص:

تناقش هذه الورقة الاستخدام المحتمل للتكنولوجيا المساعدة في تعزيز الصحة النفسية والرفاهية للمتقدمين في السن الذين يزداد عددهم في العالم العربي. ففي حين أن استخدام التكنولوجيا المساعدة لتلبية الاحتياجات الجسدية كان موجودًا منذ بعض الوقت إلا أن استخدامها في تعزيز الصحة العقلية والرفاهية لا يزال في مراحله الأولى. وتسلط الورقة الضوء على ثبوت فائدة تدخلات التكنولوجيا المساعدة للصحة العقلية للمتقدمين في السن. ومع ذلك، فإن هناك القليل من المنشورات حول استخدام التكنولوجيا المساعدة في العالم العربي، كما قد تعيق بعض الافتراضات التي يتبناها المتخصصون في الرعاية الصحية وصول المتقدمين في السن إلى هذه البرامج. وتقترح هذه الورقة إدراج موضوع التكنولوجيا المساعدة في المناهج الجامعية للطب والتمريض لمعالجة أي مفاهيم خاطئة وجعل التكنولوجيا أكثر سهولةً في الاستخدام. وتصف المخطوطة أيضًا نوعين محددين من التكنولوجيا المساعدة وهما روبوتات الدردشة التفاعلية (شات بوت) الخاصة بالصحة العقلية وأجهزة تتبع نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وفوائدها المحتملة للمتقدمين في السن.

الكلمات المفتاحية: التكنولوجيا المساعدة، المتقدمين في السن.

المقدمة

يتزايد عدد السكان المتقدمين في السن في جميع أنحاء العالم ولا يشكل الشرق الأوسط استثناءً في هذا السياق (Rudnicka et al., 2020). وغالبًا ما تُعزى هذه الزيادة إلى التحسينات في الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية. فوفقًا لتقرير نشرته الأمم المتحدة في عام 2017 من المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم العربي من 281 مليونًا في عام 2000 إلى 659 مليونًا في عام 2050 أو من 6.02 في المائة إلى 15.2 في المائة من سكان العالم. أي أن هذ التعداد سيزيد بنسبة 60٪ على مدى 35 عامًا من 2015 إلى 2050. وتفرض هذه الزيادة المزيد من الحاجة لإنشاء خدمات متخصصة تلبي احتياجات الرعاية الصحية والاجتماعية للمتقدمين في السن (GBD 2019 Dementia Forecasting Collaborators, 2022).

التكنولوجيا المساعدة والصحة العقلية

تشير التكنولوجيا المساعدة إلى أي منتجات أو معدات تعزز أي أنشطة يومية للأشخاص ذوي الإعاقة والمتقدمين في السن، ويمكن لهذه التكنولوجيا أن تمنع أو تعوض أو تخفف من الإعاقة أو العجز الوظيفي أو الحرمان وتحسين الاستقلالية وجودة الحياة (Shanmugam & Marimuthu, 2021). وتُستخدم التكنولوجيا المساعدة في مجال الرعاية الصحية للحفاظ على أداء الأفراد واستقلاليتهم أو تحسينهما مما يعزز رفاهيتهم في نهاية المطاف. ويشمل ذلك أجهزة السمع والكراسي المتحركة ووسائل الاتصال والنظارات والأطراف الاصطناعية ومنظمات الأدوية ومساعدات الذاكرة.

وفي حين أنه قد مضى بعض الوقت على استخدام التكنولوجيا المساعدة في تلبية الاحتياجات الجسدية، إلا أن استخدامها في تعزيز الصحة العقلية والرفاهية لا يزال في مراحله الأولى (Scoglio et al., 2019). ويمكن أن يُعزى ذلك إلى بعض الافتراضات التي يتبناها بعض أعضاء فريق الرعاية الصحية مثل أن “المتقدمين في السن يخشون التكنولوجيا ولا يرغبون في تعلم كيفية استخدامها” أو “لن يكون المتقدمون في السن على دراية بالإنترنت ولذلك فإنه من غير المجدي تعليمهم”. وإذا لم يتم معالجة ووضع حد لمثل هذه الافتراضات فإنها قد تتسبب في حرمان المتقدمين في السن من النفاذ إلى برامج التكنولوجيا المساعدة القائمة على الإنترنت.

تتضمن عملية الشيخوخة تغييرات في الفهم والإدراك والوظيفة الجسدية التي يمكن أن تضعف قدرة الشخص على معالجة المعلومات (Uddin, 2021). الأمر الذي يؤثر في النهاية على قدرة المتقدم في السن على التواصل بشكل فعال مع الآخرين. ومن المرجح أن يعاني المتقدمون في السن الذين يعيشون بمفردهم من العزلة والوحدة. ويمكن أن تساعد التكنولوجيا المساعدة المتقدمين في السن على البقاء مستقلين وأكثر انخراطًا في المجتمع لأطول فترة ممكنة (Moyle, 2019). كما أن هناك المزيد من المنتجات المتخصصة لتعزيز الصحة العقلية والرفاهية للأشخاص من جميع الأعمار والتي يمكن أن يستخدمها المتقدمون في السن. فقد ثبت وفقًا لبحث حديث أن تدخلات التكنولوجيا المساعدة تفيد الصحة العقلية للمتقدمين في السن على وجه التحديد في حالات مثل الاكتئاب والقلق وحتى الخرف. وقد أصبحت تطبيقات الهواتف الذكية التي تستخدم العلاج المعرفي السلوكي شائعة جدًا وسهلة الاستخدام. وتقدم هذه التطبيقات نصائح يومية حول إدارة أعراض الاكتئاب الخفيفة إلى المتوسطة وتشجع الأفراد على تبني أسلوب حياة صحي والحفاظ عليه (Kruse et al., 2020). ويقترح بحث (Cotton et al.) أن استخدام المتقاعدين للكمبيوتر يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب بأكثر من 30٪. ويلاحظ أن أهم الفوائد لم تأت من نوع نشاط الإنترنت (مثل التسوق والبريد الإلكتروني) بل من القدرة على التواصل والحصول على المعلومات المطلوبة (Scoglio et al., 2019).

الوضع في العالم العربي

يشهد الشرق الأوسط زيادة كبيرة في عدد المتقدمين في السن مع ارتفاع مماثل في انتشار حالات الصحة العقلية. وتهدف المراجعة المنهجية إلى تقييم الأدبيات الموجودة حول استخدام التكنولوجيا المساعدة في رعاية الصحة العقلية للمتقدمين في السن في الشرق الأوسط حيث وجدت 22 دراسة أجريت في بلدان مختلفة مثل إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقد بحثت هذه الدراسات في أنواع مختلفة من التكنولوجيا المساعدة مثل التطبيب عن بعد وتطبيقات الأجهزة المحمولة والواقع الافتراضي (Pedrozo Campos Antunes et al., 2019). وتشير النتائج إلى أنه يمكن للتكنولوجيا المساعدة أن تحسن نتائج الصحة العقلية للمتقدمين في السن في الشرق الأوسط. فقد ثبت على سبيل المثال أن التطبيب عن بعد يزيد من الوصول إلى خدمات الصحة العقلية ويقلل من وصمة العار ويحسن جودة الرعاية. كما ثبت أن تطبيقات الأجهزة المحمولة قد تكون فعالة في إدارة أعراض الاكتئاب والقلق. وتبين أن الواقع الافتراضي يقلل من التوتر ويحسن الوظيفة المعرفية للمتقدمين في السن. ومع ذلك فإن تبني التكنولوجيا المساعدة يواجه تحديات مختلفة تتعلق بالمواقف الثقافية ونقص الموارد ومحدودية الوعي بالحلول التكنولوجية المتاحة وتشمل العقبات الأخرى القدرة على تحمل تكاليف أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية من قبل بعض المتقدمين في السن في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.كما قد يتخذ  بعض أفراد الأسرة والأشخاص العاملين في مجال الصحة العقلية للمتقدمين في السن مواقف سلبية تجاه استخدامهم للإنترنت مما قد يعيق التقدم في هذا المجال من حيث إدخال التكنولوجيا أو جعلها أكثر سهولة في الاستخدام لغير الناطقين باللغة الإنجليزية .

ينظر بعض العاملين في مجال الرعاية الصحية إلى التكنولوجيا المساعدة باعتبارها تهديدًا لممارسات الرعاية التقليدية التي قد تعيق اعتماد هذه التكنولوجيا في عياداتهم. ويمكن معالجة هذه العقبات من خلال إدخال موضوع التكنولوجيا المساعدة في المناهج الجامعية للطب والتمريض. الأمر الذي سيساعد في معالجة أي مفاهيم خاطئة وتعريف الطلاب بالاستخدام المحتمل للتكنولوجيا المساعدة. كما تقتصر معظم التطبيقات الموضحة أعلاه على اللغة الإنجليزية لذا لا يستطيع المتحدثون باللغات الأخرى الذين لا يجيدون الإنجليزية استخدامها على نطاق واسع. ومن هنا كان من الضروري البدء في العمل على تطبيق يستخدم لغة أخرى ويجعل التطبيق وثيق الصلة بالثقافة. وهكذا فإن تمكين المتقدمين في السن من استخدام أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية من خلال جعلها ميسورة التكلفة ومتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية وإجراء جلسات تدريبية من شأنه أن يحفز استخدامهم للتكنولوجيا. ونذكر فيما يلي ملخصاً لأنواع التكنولوجيا المساعدة المستخدمة لتوفير رعاية الصحة العقلية للمتقدمين في السن.

روبوتات المحادثة التفاعلية للصحة العقلية

إنها أنواع من الخدمات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي عبر الإنترنت والتي يمكنك استخدامها عبر مواقع الويب أو تطبيقات الأجهزة المحمولة. حيث يكتب المستخدم أسئلته وتعليقاته في مربع نص ويستجيب “الروبوت” له على الفور تقريبًا. ويقوم الروبوت بعمل مماثل للمعالج أو المدرب على الرغم من أنه يتم تشغيله بواسطة كمبيوتر يتواصل بطريقة ودية تجعل من السهل التواصل معه. ويمكن أن تقدم روبوتات المحادثة الخاصة بالصحة العقلية الدعم والمشورة للأشخاص الذين يعانون من ضغوط نفسية خفيفة إلى متوسطة (Assessing the Usability of a Chatbot for Mental Health Care — Ulster University, n.d.). كما يمكنهم تتبع ردود المستخدمين بمرور الوقت وتقديم نصائح لإدارة أعراض القلق والمزاج الحزين. وعندما يجد الروبوت أن المستخدم يعاني من أعراض أكثر حدة سيوصي بخدمات الصحة العقلية والخطوط الساخنة ومجموعات الدعم القريبة.

تطبيقات الهاتف الذكي القائمة على العلاج النفسي

أظهرت الأبحاث الحديثة أن تدخلات التكنولوجية المساعدة أثبتت أنها تفيد الصحة العقلية للمتقدمين في السن وتحديداً في حالات مثل الاكتئاب والقلق وحتى الخرف. وأصبحت تطبيقات الهواتف الذكية التي تستخدم العلاج السلوكي المعرفي  شائعة جدًا وسهلة الاستخدام. حيث تقدم هذه التطبيقات نصائح يومية حول إدارة أعراض الاكتئاب الخفيفة إلى المتوسطة وتشجع الأفراد على تبني أسلوب حياة صحي والحفاظ عليه. ويقترح البحث الذي أجراه  (Cotton et al.) أن استخدام المتقاعدين للكمبيوتر يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب بأكثر من 30٪. ولم تأت أهم الفوائد من نوع نشاط الإنترنت (مثل التسوق والبريد الإلكتروني) ولكن من القدرة على التواصل والحصول على المعلومات المطلوبة.

أجهزة التعقب عبر نظام تحديد المواقع العالمي

الخرف هو مجموعة من الاضطرابات المعرفية التي تصيب المتقدمين في السن عادة وتضعف ذاكرتهم وسلوكهم الاجتماعي وكل الوظائف. ومع تقدم هذا المرض يخرج الشخص المصاب بالخرف من منزله ويجد صعوبة في العودة. ويُعرف هذا الأمر بالتجول، وهو شائع عند الأشخاص المصابين بمرض الزهايمر والاضطرابات المعرفية الأخرى. الأمر الذي يعرضه  لخطر الضياع أو التورط في حادث مروري أو التعرض لظروف الطقس القاسية. إنه أمر مقلق أيضًا لمقدم الرعاية الذي سيقضي الوقت والجهد لتحديد مكان أحبائه المفقودين. وتُلبس أجهزة تتبع نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) مثل سوار المعصم أو الساعة وترسل إشعارًا إلى هاتف محمول مسجل لإبلاغ مقدمي الرعاية بموقع أحبائهم. ولا يزال هناك القليل من المخاوف الأخلاقية حول هذه التكنولوجيا خاصة عندما يكون الشخص الذي يجري تعقبه غير قادر على الموافقة على هذا الأمر ولكن الانطباع العام بأن مصلحته تفوق أي قضايا أخلاقية وخاصة عندما يتجول هذا الشخص بشكل متكرر. ومن الممكن توفير هذه التكنولوجيا بتكلفة منخفضة بحيث يمكن أن تكون في متناول الأشخاص من خلفيات اجتماعية واقتصادية منخفضة المستوى.

مساعدات التواصل

تُستخدم تطبيقات الهاتف المحمول مثل “الواتس أب” للتواصل وهي مفيدة في مساعدة المتقدمين في السن على البقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة. وتوفر الرسائل المسجلة بالصوت خيارًا للأشخاص غير القادرين على كتابة رسالة نصية مما يسهل على الشخص التعبير عن مشاعره. كما توفر تطبيقات الوسائط الاجتماعية الأخرى مثل “فيسبوك” و “إنستجرام” فرصة للشخص لتكوين صداقات افتراضية والتواصل مع الأصدقاء وعائلاتهم. وتسمح التطبيقات الأخرى للشخص بتطوير غرفة خاصة حيث يقوم أفراد الأسرة بمشاركة صورهم مع أحبائهم الذين يعانون من الخرف المبكر واستخدام هذه الصور لتحفيز ذاكرتهم حول الأحداث الماضية ومشاركة اللحظات الجيدة معهم. إن هذه التطبيقات سهلة التصفح وأكثر أمانًا مما يحمي الأشخاص الذين قد يكونون عرضة للاحتيال عبر الإنترنت.

مساعدات الذاكرة

مساعدات الذاكرة هي الأجهزة التي تذكّر الشخص بتناول أدويته أو بحضور موعد معين. وهي مفيدة للغاية للأشخاص الذين يعانون من ضعف الذاكرة ويعتمدون على مقدمي الرعاية لتذكيرهم بالقيام بمهمة معينة، الأمر الذي يحافظ على استقلالية الشخص وتقليل العبء على مقدمي الرعاية.

الخاتمة والتوصيات

لقد ثبت أن استخدام التكنولوجيا المساعدة مفيد في تعزيز الصحة العقلية ورفاهية المتقدمين في السن. ومع ذلك لا يزال استخدامها في العالم العربي في مراحله الأولى، إضافة إلى وجود منشورات محدودة حول فوائدها المحتملة. ومن هنا فإن معالجة المفاهيم الخاطئة وإدخال موضوع التكنولوجيا المساعدة في المناهج الجامعية للطب والتمريض يمكن أن يساعد في جعلها أكثر توفراً وسهولة في الاستخدام للمتقدمين في السن. إن روبوتات الدردشة الخاصة بالصحة العقلية وأجهزة تتبع نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) هي أمثلة لأنواع معينة من التكنولوجيا المساعدة التي يمكن استخدامها لتحسين الصحة العقلية ورفاهية المتقدمين في السن. ومن المهم جداً مواصلة استكشاف إمكانات التكنولوجيا المساعدة في تعزيز الصحة النفسية ورفاهية المتقدمين في السن في العالم العربي وخارجه.

Share this