التكنولوجيا المساعدة وتقديم الرعاية لمرضى الخرف: عدد من الاعتبارات الاجتماعية وانعكاسات السياسة

التكنولوجيا المساعدة وتقديم الرعاية لمرضى الخرف: عدد من الاعتبارات الاجتماعية وانعكاسات السياسة

سوزان حماد، دينا آل ثاني

ورقة علمية Online وصول مفتوح | متاح بتاريخ:15 أكتوبر, 2023 | آخر تعديل:15 أكتوبر, 2023

ملفّ PDF نفاذنفاذ 23

الملخص:

تسهل الابتكارات التكنولوجية إلى حد كبير تحقيق الرغبة المتزايدة للمتقدمين في السن في التقدم في العمر في أماكن مألوفة لهم أي ضمن المجتمع والأسرة  والبيت. وقد تم تصميم  حلول التكنولوجيا المساعدة الذكية (IATs) لتخفيف العبء على العائلات وأنظمة الرعاية الصحية مع تحسين نوعية الحياة والعيش المستقل للأشخاص المصابين بالخرف. وتبحث هذه المقالة في مدى استعداد المجتمعات لقبول استخدام هذه الحلول مع المتقدمين في السن. كما تحدد المقالة بعض الاعتبارات الاجتماعية الرئيسية التي ينبغي فهمها بشكل أفضل من أجل تخفيف العوائق التي تعترض استخدام التكنولوجيا المساعدة من منظور المستخدم النهائي والمجتمع. وتقترح المقالة أيضاً التدخلات السياسية التي يمكن أن تعزز قبول واستخدام حلول التكنولوجيا المساعدة الذكية لفائدة المتقدمين في السن مع مراعاة المواقف الاجتماعية والثقافية السائدة لا سيما في المجتمعات العربية الإسلامية مع الاستفادة من التجارب العالمية.

المقدمة

بسبب الطبيعة التعجيزية التدريجية لمرض الزهايمر والخرف المرتبط به (ADRD) سيفقد المصابون به تدريجيًا قدرتهم على أداء المهام اليومية العادية. وتتفاقم هذه التحديات بسبب الاتجاهات العالمية المتمثلة في خفض نسب مقدمي الرعاية إلى المرضى من جهة والتحديات المالية واللوجستية المفروضة على أنظمة الرعاية الصحية الوطنية من جهة أخرى (Ienca et. al, 2017; Prince et. al, 2015). ومع تزايد رغبة المتقدمين في السن في التقدم في العمر في أماكن مألوفة لهم بين أفراد مجتمعهم وأسرتهم وفي منزلهم، تسمح الابتكارات التكنولوجية بتمكين أولئك الذين يعانون من مرض الزهايمر والخرف المرتبط به من البقاء في منازلهم لأطول فترة ممكنة (Diaz-Orueta & Konstantinidis, 2020). حيث يتم تصميم هذه التكنولوجيا بهدف دعم العائلات وأنظمة الرعاية الصحية وتحسين نوعية الحياة وتعزيز العيش المستقل للأشخاص المصابين بهذا المرض. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، سيحتاج أكثر من ملياري شخص إلى حل واحد من حلول التكنولوجيا المساعدة على الأقل بحلول عام 2050 بسبب ارتفاع معدل شيخوخة السكان والزيادات المرتبطة بها في الأمراض غير السارية (WHO, 2012). ويبقى السؤال هنا: ما مدى استعداد المجتمعات لقبول استخدام حلول التكنولوجيا المساعدة الذكية مع أحبائهم الأكبر سنًا؟ وما هي العوائق التي يمكن أن تؤثر على الاستخدام الفعال لهذه الحلول في مجال رعاية الخرف؟ ونختتم مقالتنا بتدخلات السياسة الموصى بها والتي يمكن تحديدها وأخذها في الاعتبار في العمل المستقبلي في هذا المجال.

الاعتبارات الاجتماعية المتعلقة باستخدام التكنولوجيا المساعدة في رعاية الخرف

إن مرض الزهايمر والخرف المرتبط به يأخذ مجراه وسط المجتمع الذي نعيش فيه. وكي نحصل على أكبر فائدة في هذا الموضوع يتوجب علينا أن نفهم بشكل أفضل الحواجز القائمة ونتصدى لها من منظور المستخدم النهائي والمجتمع. وهذا يستلزم مراعاة الاعتبارات الاجتماعية والعمل بشكل شامل لمعالجتها أو تخفيف الحواجز التي تفرضها.

  • فجوة محو الأمية الرقمية: هناك “فجوة رقمية” واضحة بين الأجيال تضع المتقدمين في السن في وضع غير مناسب على الرغم من فوائد التكنولوجيا لهم. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن هذه الفوارق تتضخم بالنسبة للمتقدمين في السن الذين يعانون من إعاقات معرفية وقدرات منخفضة مثل مرضى الزهايمر والخرف المرتبط به. وغالبًا ما تكون هذه التفاوتات متجذرة في وصمة العار الذاتية أو التفرقة العمرية التي يمكن أن تحد من وصولهم إلى التكنولوجيا واستخدامها مثل خبرتهم المحدودة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمواقف تجاه استخدامها وانعدام الثقة أو القيود الوظيفية من بين عوامل شخصية أخرى (Rochleau, 2020; Hayden et al, 2012).
  • لقد وضعت جائحة كوفيد -19 إلى جانب تزايد عدم المساواة الرقمية الأجيال الأكبر سناً في موقف ضعيف أكثر من أي وقت مضى بسبب التحديات الإضافية المتمثلة في النفاذ إلى المعلومات الصحية المهمة والأنشطة عبر الإنترنت (Beaunoyera, et. al, 2020). ووفقًا لدراسة أجراها  (Dishman & Carillo 2016)، تشمل العوائق الأخرى لقبول استخدام التكنولوجيا المساعدة للمتقدمين في السن الذين يعانون من الزهايمر والخرف المرتبط به على وجه الخصوص ما يلي: أ) نقص الوعي بقيمة التكنولوجيا المساعدة بالنسبة لحالتهم ، ب) الافتراضات بأن استخدام التكنولوجيا المساعدة تتطلب مهارات يفتقرون إليها أو أنهم يحتاجون إلى دورات تدريبية إضافية، ج) نقص الاستعداد بين موظفي الرعاية الصحية والاجتماعية لدمج التكنولوجيا المساعدة الذكية في ممارساتهم، و د) وفي بعض الحالات وصمة العار وإنكار قدرة المتقدمين في السن على التعامل مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما يساهم عدد من العوامل النفسية في تدني اهتمام المتقدمين في السن بتبني الحلول التكنولوجية الجديدة. وتشمل هذه العوامل الافتقار إلى المعرفة والثقة ومشاعر النقص والمقارنة مع الأجيال الشابة ونقص التفاعل والتواصل (Vaportzis et al., 2017; Delello and McWhorter, 2017). وتختلف مستويات الثقة بين المتقدمين في السن فيما يتعلق بالتكنولوجيا أيضًا باختلاف الثقافات والوضع الاجتماعي والاقتصادي والتركيبة السكانية والجنس، حيث يمكن للأجيال الجديدة الأكثر اعتيادًا على الأجهزة المحمولة التكيف مع التطورات الأكثر تعقيدًا في التكنولوجيا المساعدة الذكية بسهولة أكبر.
  • إمكانية النفاذ والقدرة على تحمل التكاليف: وفقًا لمنظمة الصحة العالمية فإنه من بين أكثر من مليار شخص من المتقدمين في السن على مستوى العالم ممن يمكن أن يستفيدوا من التكنولوجيا المساعدة، لا يستطيع الحصول عليها إلا واحد من كل عشرة (WHO, 2017). وتؤدي العوامل الاجتماعية والاقتصادية والوصول إلى الخدمات الصحية العادلة والتقدم التكنولوجي إلى تفاقم الفجوة الرقمية حيث من المرجح أن يتخلف المتقدمون في السن عن الركب وخاصة أولئك الذين يعانون من ضعف إدراكي (Benett et. al, 2017). وقد قدرت تكلفة التكنولوجيا مدى الحياة للأشخاص المصابين بالخرف بحوالي 200 ألف جنيه استرليني للفرد على مدى 4.5 سنوات في المتوسط منذ التشخيص حتى نهاية العمر (PIRU, 2017). ومن هنا فإنه يجب معالجة اعتبارات التكلفة والنفاذ لتجنب خطر أن يقتصر اعتماد التكنولوجيا المساعدة على “أولئك الذين يستطيعون استخدامها وتحمل تكاليفها” ما يؤدي إلى عواقب مجتمعية غير مقصودة. ولتفادي هذا الخطر يجب تنسيق تكامل التكنولوجيا المساعدة الذكية للمتقدمين في السن مع خطط السياسة الصحية والتأمين الصحي (Ienca et. al, 2017).
  • القياس الواحد لا يناسب الجميع: الحاجة إلى مزيد من الأدلة: لا يشكل الأشخاص المصابون بـمرض الزهايمر والخرف المرتبط به مجموعة واحدة متجانسة، بل لديهم احتياجات مختلفة وأعراض متفاوتة عبر مراحل تطور المرض. في حين تستهدف التكنولوجيا المساعدة الذكية مجموعة كبيرة وغير متجانسة سريريًا من المستخدمين النهائيين بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقات العصبية الإدراكية العامة (Diaz-Orueta & Konstantinidis, 2020). ومن هنا فإنه على حلول التكنولوجيا المساعدة الذكية المستقبلية التكيف مع كل شكل محدد من أشكال الخرف ومراحله المختلفة والاحتياجات المحددة لكل مستخدم نهائي. وعلاوة على ذلك، يجب أن تؤخذ الاختلافات الاجتماعية والثقافية والمواقف العامة المختلفة وهياكل تقديم الرعاية وديناميكياتها ومستويات المعرفة (وكذلك اللغات) في الاعتبار لتعظيم قبول وتبني هذه الحلول. من جهة أخرى، لا تزال هناك قاعدة أدلة ضعيفة بشأن التجارب الحية للأشخاص المصابين بالخرف ناهيك عن النفاذ إلى الابتكارات التكنولوجية واستخدامها في رعاية مرضى الخرف. ولا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به فيما يتعلق بالبحث خاصة في منطقة الشرق الأوسط (WISH report; Kane et. al, in press).
  • المقاومة ووصمة العار والمعتقدات والمواقف الاجتماعية والثقافية لقبول المجتمع: يميل السكان الأكبر سنًا إلى النظر إلى التكنولوجيا المساعدة بشكل إيجابي إذا كانت سهلة الاستخدام وتمنحهم إحساسًا بالفعالية لأطول فترة ممكنة، وبالمثل بالنسبة لمقدمي الرعاية، بشرط أن يُنظر إلى دورها على أنه مكمل بدلاً من استبدال الرعاية الصحية الرسمية (Egan & Pot, 2016; Yusif et. al, 2016; PIRU, ).

ومع ذلك، تمنع بعض المواقف الاجتماعية تبني التكنولوجيا المساعدة خاصة فيما يتعلق بالأشخاص الذين يعانون من الزهايمر والخرف المرتبط به. وقد تمت الإشارة إلى أن وصمة العار المرتبطة بحلول التكنولوجيا التي يتم تسويقها للأشخاص “من مرضى الخرف” أو تلك المصنفة على أنها “تكنولوجيا الشيخوخة” تمنعهم من استخدام هذه التكنولوجيا (Yusif et. al, 2016) أو تحاشي رؤيتهم يستخدمونها في الأماكن العامة. وهناك أيضًا مشكلة وصمة العار المتمثلة في اللجوء إلى استخدام التكنولوجيا المساعدة في بعض المجتمعات أو رؤيته أشخاص يستخدمونها في الأماكن العامة مع أحبائهم الأكبر سنًا. أما في المجتمعات العربية المسلمة فغالبًا ما يحد الشعور القوي بالمسؤولية الأخلاقية والدينية لتكريس حياة الفرد لتقديم الرعاية للشخص المصاب بالزهايمر والخرف المرتبط به من دافع طلب المساعدة الخارجية (Hammad et. al, 2019). وقد يؤثر هذا على المواقف تجاه استخدام التكنولوجيا المساعدة ويستدعي مزيدًا من البحث. بالإضافة إلى ذلك، يحجم بعض المتخصصين عن استخدام التكنولوجيا المساعدة الذكية مع مرضاهم إذا لم يكن لديهم معرفة كافية بالتكنولوجيا الجديدة أو كانوا مترددين في تبنيها بسبب عدم وجود التحقق السريري من جدواها لدى العديد منهم (Egan & Pot, 2016; Diaz-Orueta & Konstantinidis, 2020).

  • تغير ديناميكيات الأسرة وتناقص بيئات المعيشة متعددة الأجيال: يمكن أن يكون العيش بين الأجيال المختلفة في الأسرة مهدئًا للمتقدمين في السن الذين يعانون من التدهور المعرفي وأيضًا لمقدمي الرعاية الذين يجدون العزاء والمكافأة في دعم أحبائهم (Hammad et. al, 2019). ومع ذلك، فإن أنماط الهجرة والتحولات الاجتماعية والاقتصادية السريعة قد أثرت على ديناميكيات الأسرة وقللت بشكل واضح من عمليات تكوين الأجيال المتعددة. ويعيش العديد من المتقدمين في السن الآن نتيجة لذلك بمفردهم في منازل أو مدن أو بلدان مختلفة. وغالبًا ما يُترك من يعيش منهم مع أفراد الأسرة في المنزل مع مساعد أو ممرضة لتمكين مقدم الرعاية الأسري من الاستمرار في العمل. وتستدعي هذه الديناميكيات المتغيرة للأسرة والنسبة الأقل من مقدمي الرعاية حلولًا مبتكرة لتعزيز التنقل الآمن والاستقلالية واتخاذ القرار والمراقبة والتواصل (Ienca et. al, 2017). إن الرغبة أو الضرورة للبقاء على اتصال مع الآخرين هي في الواقع أحد الدوافع التي تدفع المتقدمين في السن لقبول التكنولوجيا الجديدة (Hasan & Linger, 2016).

انعكاسات السياسة وتحقيق التقدم

على الرغم من العوائق الموضحة في هذه الورقة التي تحول دون قبول المجتمع واستخدام التكنولوجيا المساعدة الذكية في رعاية المصابين بالخرف، يمكن أن توفر حلول التكنولوجيا المساعدة الذكية  للمتقدمين في السن المصابين بالزهايمر والخرف المرتبط به ومقدمي الرعاية لهم مساعدة كبيرة في إدارة أنشطتهم اليومية ومنع المخاطر وإدارتها وتعزيز بيئتهم الاجتماعية والرفاه العام. ولمعالجة هذه الاعتبارات الاجتماعية يجب اتباع نهج منظم ومتعدد أصحاب المصلحة حيث تكون احتياجات ورفاهية الأشخاص الذين يعانون من الزهايمر والخرف المرتبط به ومقدمي الرعاية لهم والمجتمعات التي يعيشون فيها أساسية في تصميم وتنفيذ خطة التكنولوجيا المساعدة الذكية (Barbarino et. al, 2020). كما يتطلب ذلك الاستفادة من التجارب العالمية وتنسيق الجهود من خلال المنصات المشتركة لتطوير حلول تكنولوجية سهلة الاستخدام وتم التحقق من صحتها سريريًا، وتشجيع المزيد من الأبحاث القائمة على الأدلة لتوجيه المطورين والممارسين مع التركيز على الرؤى النوعية من المستخدمين النهائيين، إضافة إلى تطوير معايير موحدة. تدابير ومبادئ توجيهية معيارية لتحديد المزيج المناسب من الصحة الإلكترونية والرعاية المباشرة الأخرى إلى جانب حملات التوعية العامة لتشجيع قبول المجتمع وتقليل وصمة العار فيما يتعلق باستخدام التمنولوجيا المساعدة.

Share this