مشهد سياسة النفاذ الرقمي في دولة قطر
ورقة علمية وصول مفتوح | متاح بتاريخ:15 أكتوبر, 2023 | آخر تعديل:15 أكتوبر, 2023
الملخص:
أصبح ضمان إمكانية النفاذ عنصرًا حاسمًا في تعزيز الشمولية للجميع بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة. وقد شهدت دولة قطر تحولاً هائلاً في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الشاملة نحو بناء نظام بيئي يعزز إمكانية النفاذ إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ويحتضن التنوع بما يتماشى مع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتي قامت دولة قطر بالتوقيع والمصادقة عليها. وتبحث هذه المقالة في السياسة الديناميكية والإطار التنظيمي لدولة قطر واستجابتها التكيفية للمشهد المتطور لتكنولوجيا واتجاهات النفاذ الرقمي والنهج الاستباقي الذي تتبعه الدولة لضمان نفاذ الجميع إلى المنصات والخدمات الرقمية.
الكلمات المفتاحية: الأشخاص ذوي الإعاقة، إمكانية النفاذ إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الشاملة، المنصات الرقمية، اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
المقدمة
تعزز سياسة قطر الوطنية لسهولة النفاذ الرقمي التي تعد الوثيقة الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا اعتماد معايير دولية مثل المبادئ التوجيهية للنفاذ إلى الويب (WCAG 2.1) عبر مختلف المنصات الرقمية (مثل مواقع الويب وتطبيقات الهاتف المحمول والأكشاك الرقمية والهواتف العامة والهواتف المحمولة والمحتوى الرقمي) (Qatar National Vision 2030, n.d.). وتحدد هذه السياسة لمطوري الويب ومنشئي المحتوى متطلبات محددة لإمكانية النفاذ لضمان أن منتجاتهم وخدماتهم شاملة وتتوافق مع معايير التصميم الشامل.
لقد خضعت سياسة سهولة النفاذ الرقمي التي تم إطلاقها رسميًا في عام 2011 من قبل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتم تحديثها عام 2023 لعملية تشاور واسعة النطاق لتقييم تأثيرها المحتمل على أصحاب المصلحة الرئيسيين بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة والمنظمات التي تمثلهم. وقد عملت منذ تنفيذها على تحفيز التقدم في مجال النفاذ إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مختلف المجالات. ولم يتم الشعور بتأثيرها في قطر فحسب بل في جميع أنحاء المنطقة أيضًا، وقد تم الاعتراف بها على نطاق واسع كأفضل ممارسة في العالم العربي وتميزت بكونها مبادرة رائدة دعمت انطلاقة جهود النفاذ ورسخت مكانة قطر كمدافع رائد عن الشمولية الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ونظرًا لدوره القيادي في مجال النفاذ الرقمي في الدولة فقد لعب مركز مدى دورًا مهمًا في دعم تنفيذ السياسة الوطنية والنهوض بها (Mada Assistive Technology Center., n.d.). ومن خلال فهمه الكبير للاتجاهات والتطورات التكنولوجية المتطورة باستمرار والتي تشكل مشهد النفاذ الرقمي في قطر، استخدم مركز مدى بفاعلية خبراته ومعرفته لتقديم رؤى وتوصيات قيمة لتحديث وتعزيز السياسة الحالية.
معالجة الثغرات في إمكانية النفاذ من خلال أحكام السياسة التقدمية
شكل تقييم ونتائج مؤشر تقييم حقوق النفاذ الرقمي (DARE) 2020 معياراً قيماً لتحديد المجالات التي كانت هناك حاجة ماسة إلى التحسينات فيها ضمن السياسة (Qatar – G3ict: The Global Initiative for Inclusive ICTs, n.d.) . وتشمل التحسينات الرئيسية التي أدخلت على السياسة مجالات مختلفة نذكر منها: دمج ممارسات المشتريات القابلة للنفاذ ومعالجة إمكانية النفاذ إلى الوسائط المتعددة والوسائط المتعددة وتعزيز توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة في التعليم والتوظيف والمجتمع. وقد تم تحديد هذه المواد بعينها في السياسة كمجالات تركيز حاسمة بناءً على تقييم ونتائج مؤشر (DARE) الذي سلط الضوء على الثغرات وأوجه القصور الحالية في هذه المجالات (Qatar – G3ict: The Global Initiative for Inclusive ICTs, n.d.).
إن تحديد هذه المواد كمجالات تركيز رئيسية يوضح الالتزام بمعالجة الثغرات في مشهد السياسات. وكان الهدف من إجراء هذه التحسينات هو ضمان عدم مواجهة الأشخاص ذوي الإعاقة لعوائق تمنعهم من النفاذ إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أو وسائل الإعلام أو البيئات غير القابلة للنفاذ. وتسعى السياسة من خلال معالجة أوجه القصور هذه إلى إنشاء مجتمع شامل ومنصف يحتضن التنوع ويعزز تكافؤ الفرص للجميع.
متطلبات المشتريات القابلة للنفاذ
تضمن المشتريات القابلة للنفاذ وفاء منتجات وخدمات وحلول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تحصل عليها الحكومات والمنظمات بمعايير إمكانية النفاذ المحددة. ومن خلال مراعاة متطلبات إمكانية النفاذ من المراحل الأولية لعملية المشتريات يتم إزالة العوائق التي يواجهها الاشخاص ذوو الإعاقة بشكل فعال مما يؤدي إلى الحصول على حلول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قابلة للاستخدام من قبل الجميع. ويمثل هذا التحديث خطوة مهمة نحو إنشاء مجتمع أكثر شمولاً.
سيكون لتبني القطاع العام لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات القابلة للنفاذ تأثيرُ إيجابيُ كبيرُ على المشهد الوطني لإمكانية النفاذ إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مما يؤدي إلى توفير النفاذ الشامل وزيادة فرص التعليم والتوظيف للأشخاص ذوي الإعاقة. ويهدف إدراج متطلبات الشراء القابلة للنفاذ في السياسة إلى تحفيز المصنعين والبائعين في الصناعة للاعتراف بطلب السوق وأهمية إنشاء حلول تتوافق مع معايير إمكانية النفاذ. كما سيكون إنفاذ مثل هذه السياسات بمثابة دافع قوي للصناعة للتركيز على تطوير حلول قابلة للنفاذ منذ المراحل الأولى من للتخطيط لهذه المنتجات. ويعتبر هذا النهج ضروري للنجاح في المستقبل والدمج المستدام للامتثال لمعايير إمكانية النفاذ. وسيوفر الطلب المستمر على سلع وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات القابلة للنفاذ نتيجة هذه السياسة مزيدًا من الاستقرار للصناعة للاستثمار والمنافسة في تنفيذ وتوفير حلول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات القابلة للنفاذ لتلبية احتياجات السوق.
النفاذ إلى الوسائط المتعددة ووسائل الإعلام
تعمل المنصات الرقمية في عالم اليوم المترابط كقنوات حيوية للاتصال والتعليم والتعبير الثقافي. وبالتالي فإن معالجة إمكانية النفاذ إلى الوسائط المتعددة والإعلام في السياسات تحتل مكانة هامة في المشهد الرقمي اليوم لضمان التفاعل الكامل للأشخاص ذوي الإعاقة مع المحتوى الرقمي والاستفادة منه بما في ذلك مقاطع الفيديو والملفات الصوتية والوسائط التفاعلية. وتشمل إرشادات إمكانية النفاذ إلى الوسائط المتعددة جوانب مختلفة لجعل المحتوى الرقمي أكثر شمولاً. ويتضمن ذلك توفير تسميات توضيحية أو ترجمات مصاحبة لمقاطع الفيديو لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقات السمعية وأوصاف صوتية لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقات البصرية وواجهات قابلة للنفاذ للوسائط التفاعلية. وتأخذ هذه الإرشادات بعين الاعتبار الاحتياجات المتنوعة للأشخاص ذوي الإعاقة وتمكنهم من إدراك محتوى الوسائط المتعددة وفهمه والتنقل فيه بشكل فعال.
الترتيبات التيسيرية المعقولة في التعليم والتوظيف والمجتمع
إن تعزيز الترتيبات التيسيرية المعقولة في مجالات التعليم والتوظيف والمجتمع هو تحديث مهم آخر للسياسة وفقًا لتوجيهات اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (UNCRPD/ DISD, n.d). ويوضح هذا الأمر أهمية خلق بيئة شاملة يتمتع فيها الأشخاص ذوو الإعاقة بفرص متساوية في التعليم والتوظيف والمشاركة في المجتمع. وتعني “الترتيبات التيسيرية المعقولة” إجراء التعديلات الضرورية والمتناسبة والملائمة لضمان تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من التمتع بالعيش المستقل وحقوق الإنسان والحريات الأساسية على قدم المساواة مع الجميع.
ويعني هذا الأمر في سياق السياسة الوطنية للنفاذ الرقمي (Qatar E-Accessibility Policy, 2011) أن يتم تشجيع جميع مؤسسات القطاع العام التي توظف أو تقدم خدمات للأشخاص ذوي الإعاقة على توفير ترتيبات تيسيرية وفقًا للمعايير الموضحة في السياسة للطريقة التي يتفاعل بها الأشخاص ذوو الإعاقة مع مواقع الويب أو يستخدمونها ومحتوى الويب للأجهزة المحمولة وخدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية وأجهزة الصراف الآلي ومحطات وأجهزة الخدمة الذاتية العامة حتى يتمكن الأشخاص ذوو الإعاقة من استخدام هذه التكنولوجيا على قدم المساواة مع أقرانهم.
التوقعات المستقبلية حول مشهد النفاذ الرقمي في قطر
من المتوقع في السنوات القادمة أن تواصل قطر الاستثمار في حلول التكنولوجيا المتطورة والسياسات المبتكرة وتحسينات البنية التحتية لتعزيز النفاذ الرقمي لمواطنيها. ومع ذلك، فإنه من الأهمية بمكان التأكد من مواكبة سياسة النفاذ الرقمي للتطورات التكنولوجية وقابليتها للتكيف مع التكنولوجيا والأنظمة الأساسية والأجهزة الجديدة مما يضمن تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بإمكانية النفاذ والاستخدام المتساوي عبر البيئات الرقمية المختلفة.
وتجدر الإشارة إلى أن التقييم والرصد المستمرين لتنفيذ السياسة سيلعبان دورًا حيويًا في تقييم فعاليتها وتحديد أي ثغرات أخرى تتطلب الاهتمام. فمن خلال التحليل المستمر لتأثير ونتائج هذه التحسينات سيتمكن واضعو السياسات من صقل وتعزيز إطار السياسة مما يضمن استجابتها للاحتياجات المتجددة للأشخاص ذوي الإعاقة. كما يعتمد تحقيق الأهداف المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (UNCRPD/ DISD, n.d) ، على التنفيذ المبكر للسياسات واللوائح التي تتناول بشكل صريح موضوع النفاذ إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وبالتالي، فإن العمل على تحقيق إمكانية النفاذ الرقمي وتعزيزها بنشاط على المستوى الوطني هو خطوة أساسية لتحقيق الشمولية وتوفير حق النفاذ إلى المعلومات في إطار الاتفاقية وتعزيز الركائز الثلاث للتنمية المستدامة – التنمية الاقتصادية والتكامل الاجتماعي وحماية البيئة- (المبادئ التوجيهية للنفاذ إلى محتوى الويب (WCAG) 2.1, n.d.) بما يتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030.
الخاتمة
يعكس مشهد سياسة النفاذ الرقمي لدولة قطر التزامًا بتعزيز الشمولية والمساواة في النفاذ إلى الخدمات الرقمية من قبل جميع المواطنين بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة. وقد أحرزت قطر من خلال إنشاء الأطر القانونية والتعاون مع أصحاب المصلحة وحملات التوعوية وبرامج التدريب تقدمًا كبيرًا في خلق بيئة قابلة للنفاذ رقميًا وفرضت نفسها كدولة رائدة في مجال النفاذ الرقمي. ويتضح تأثير هذه المبادرات في زيادة إمكانية النفاذ إلى المواقع الإلكترونية والخدمات الحكومية فضلاً عن زيادة الوعي والفهم لمبادئ إمكانية النفاذ بين أصحاب المصلحة مما ساهم في تحقيق قطر للمركز الأول عالميًا وإقليميًا في مؤشر رصد حقوق النفاذ الرقمي (Dare 2020) (UNCRPD/ DISD, n.d). ومع ذلك، وبهدف الحفاظ على مكانتها الرائدة في مجال النفاذ الرقمي يجب يجب على قطر مواصلة تكثيف جهودها ومواكبة أحدث التطورات وأفضل الممارسات في هذا المجال.