اللغات الإشارية ومجتمعات الصم

اللغات الإشارية ومجتمعات الصم

سمير سمرين

ورقة علمية Online وصول مفتوح | متاح بتاريخ:29 ديسمبر, 2023 | آخر تعديل:18 مارس, 2024

ملفّ PDF نفاذنفاذ 24

ملخص:

تسعى هذه الورقة العلمية إلقاء الضوء على مفهوم اللغات المؤشرة المنتشرة حول العالم ووضع مقاربات موثقة حول ماهيتها وتعريفها وتطورها ومقارنتها مع اللغات المنطوقة كونها لغات حية كاللغات الكلامية لها قواعدها وتراكيبها النحوية الخاصة بها، كذلك تسلط الضوء على الثقافة المجتمعية لمستخدمي هذه اللغة وهم الأشخاص الصم، باعتبارهم أصحاب خصوصية لغوية فريدة تؤثر وتتأثر بالبيئة والمحيط، لهذا تتعدد الثقافات المجتمعية واللغوية. ستطرق هذه الورقة لمراحل تطور اللغات المؤشرة في المنطقة العربية والعالم والجهود التي بذلت لتوثيقها ونشرها وزيادة عدد العارفين بها من أفراد المجتمع السامعين، كما ستقدم مقاربة وتعريف للإشارات الدولية والإشارات العربية التي تستخدم كوسيلة تواصلية في الملتقيات والتجمعات العربية والدولية.

الكلمات المفتاحية: اللغات المؤشرة، لغة الاشارة، مجتمعات الصم.

 1.  علم اللغويات في لغات الإشارة

علم اللغويات هو علم يهتم بدراسة طبيعة اللغات دراسة علمية من حيث خصائصها وتراكيبها ودرجات التشابه والتباين فيما بينها. وكذلك يهتم بدراسة تاريخ اللغات وكيفية اكتسابها، لذلك يعتبر علم يدرس اللغة المؤشرة من كل جوانبها دراسة شاملة (سمرين, 2012).

1.1  اللغات المؤشرة

 هي نظام لغوي يستخدمه الأشخاص الصم للتواصل وتعتمد هذه اللغات على استخدام الإيماءات والحركات والعلامات اليدوية (الأشكال اليدوية) للتعبير عن الأفكار والمفاهيم. ويشير الإتحاد العالمي للصم انه هناك أكثر من 200 لغة اشارية حول العالم، وكل لغة تعكس خصوصية وثقافة مستخدميها من مجتمعات الصم المتعددة والمتنوعة في العالم.

1.2  لغة الاشارة

يقصد بها وسيلة اتصال مرئي، يعتمد نظام لغوي معين يتم فيه توظيف حركة وشكل اليدين والإيماءات والحركات الجسدية و تعبيرات الوجه والتي يستخدمها مجتمع الصم في أي بلدا ما للتواصل فيما بينهم والآخرين للتعبير والتعرف على كافة مناحي الحياة التي يؤثرون ويتأثرون بها. وهي لغة لها قواعدها وتراكيبها الخاصة بها . وتعتبر اللغة الأولى والطبيعية لمجتمع الصم.

1.3  لغة الإشارة الوطنية

 هي نظام لغوي يؤدى من خلال الإشارات البصرية والتي تشتمل على كافة الوحدات اللغوية المرتبطة بها، و تحمل دلالات و معاني اتفق عليها الصم من نفس الدولة و يستخدمونها كلغة تواصلية فيما بينهم ( اللغة الأم ).

1.4  الإشارات العربية

 يقصد بها الإشارات العربية الأكثر شيوعاً وتستخدم كلغة رديفة في المؤتمرات والمحافل العربية.

2.  مفهوم لغة الإشارة

اشتد الاهتمام في الحقبة الأخيرة من القرن الماضي بلغة الإشارة للصم، بعد أن أصبحت لغة معترفاً بها في جميع أنحاء العالم، ونُظر إليها على أنها اللغة الطبيعية الأم للصم، لاتصالها بأبعاد نفسية قوية لديهم، ولما تميزت به من قدرتها على التعبير بسهولة عن حاجات الأصم وتكوين المفاهيم لديه، بل لقد أصبح لدى البعض من المبدعين الصم القدرة على إبداع قصائد شعرية ومقطوعات أدبية، وترجمة الشعر الشفوي إلى هذه اللغة والتي تعتمد أساسا على الإيقاع الحركي للجسد ولا سيما اليدين، فاليد وسيلة رائعة للتعبير بالأصابع وتكويناتها، يمكن أن نضحك ونبكي، أن نفرح ونغضب ونبدي رغبة ما، ونطلق انفعالاً ، ونفرج عن أنفسنا، كما يمكن الغناء والتمثيل باليد بدلاً من الغناء والتمثيل الكلامي، وقد أطلق أحدهم شعار ” عينان للسماع”.

تؤدى لغة الإشارة بيد واحدة أو كليهما، و في أماكن مختلفة من الجسم لتؤديان تعبيراً يحمل دلالة ومعنى من خلال وحدات يطلق عليها بالمعلمات أو المكونات وهي:

·       شكل اليد

·       الحركة

·       مكان اليد

·       اتجاه راحة اليد

·       العلامات الغير يدوية (تعابير الوجه، العين، الفم، الحواجب، الكتفين)

3. لغة الإشارة وتطورها في العالم

أما بالنسبة لتاريخ لغة الإشارة وتطورها في العالم فتعود البداية الحقيقية للاهتمام العلمي بتاريخ الصم إلى نهاية الستينات وبداية السبعينات. ومن هنا ومن حداثة الاهتمام بتاريخ الصم تتضح صعوبة تتبع تاريخ لغة الإشارة في العالم وتوثيقه، إلا أن هذا لم يمنع بعض الباحثين من التأكيد بأنه على مر التاريخ و في أي مكان في العالم يوجد فيه صم ستكون هناك لغة إشارة، ومما تجدر الإشارة إليه هو ارتباط تاريخ لغة الإشارة بتاريخ تربية وتعليم الصم إذ اتخذها الكثير من المربين كأساس لتعليم الصم.

بداية التوثيق التاريخي لتربية الصم واستخدام لغة الإشارة في تعليم الصم ترجع إلى القرن السادس عشر عندما بدأ الراهب الأسباني دي ليون De Leon (1520-1584) في تدريس طفلين أصمين من عائلة ثرية، حيث يعتبر أول مدرس معروف للصم في العالم، لا يعرف الكثير عن الطريقة التي اتبعها دي ليون في التدريس، لكن يعتقد أن لغة الإشارة كانت جزءا من الطريقة خصوصاً الإشارات المنزلية التي كان يستخدمها الطفلان الأصمان. ويعتبر الفرنسي دي ليبيه De L’Epee هو أول من تبنى استخدام أبجدية الأصابع مع الإشارة ، وهو أول من أنشأ مدرسة للصم في العالم في باريس في أواخر 1760 كما تبنى دي ليبيه لغة الإشارة المستخدمة بين الصم في باريس لتدريس الصم وتعليمهم وذلك لإسهاماتها في إيصال المعلومة للتلاميذ الصم بيسر وسهولة.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية ، ارتبطت بداية التغيير والتطور في لغة الإشارة بافتتاح أول معهد خاص بالصم في أمريكا في عام 1817م والذي ساهم في افتتاحه كل من توماس هوبكنز جالوديت Thomas  Hopkins Gallaudet  ولورنت كليرك Laurent Clerc المدرس الأصم الذي قدم من معهد باريس للصم والذي يعتبر أول مدرس أصم في أمريكا، وقبل هذا التاريخ كان الصم يستخدمون لغة الإشارة ويتواصلون من خلالها، وهو ما كان يعرف بالإشارة المحلية ، إلا أن المعهد وفر البيئة التي ساهمت في حدوث التفاعل بين لغة الإشارة الأمريكية القديمة التي يستخدمها الطلاب الصم و لغة الإشارة الفرنسية التي يستخدمها كل من كليرك وجالوديت في التدريس. ونتج عن هذا التفاعل لغة الإشارة الأمريكية المعروفة الآن American Sign Language (ASL) والتي تشير الدراسات إلى أن 30% منها مأخوذ من لغة الإشارة الفرنسية.

هذه البداية في تعليم الصم في الولايات المتحدة الأمريكية استمرت وتطورت من خلال إنشاء المزيد من معاهد الصم في العديد من الولايات. وكنتيجة طبيعية لهذا التطور في التعليم العام للصم تم فتح المجال للصم لمواصلة التعليم الجامعي من خلال إنشاء جامعة جالوديت في عام 1864م والتي تعتبر الوحيدة من نوعها في العالم المخصصة للطلاب الصم والطلاب السامعين الذين يتقنون لغة الإشارة .

تم تتويج هذا التوسع والتطور بعدة دراسات حول قواعد لغة الإشارة الأمريكية وإثبات أنها لغة حقيقية لا تقل عن غيرها من اللغات الأخرى. ومن أهم هذه الدراسات دراسة ويليام ستوكي الذي تم تعيينه كبروفسور لتدريس اللغة الانجليزية في جامعة جالوديت في عام 1955م .

ومنذ تأسيس الإتحاد العالمي للصم عام    1951في مدينة روما بايطاليا اخذ على عاتقه نشر الوعي بثقافة الصم اللغوية وضرورة احترامها واستخدامها في كافة مناحي الحياة المتعلقة بهم، كما جاءت الإتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لتؤكد هذا الحق والإعتراف بهذه اللغات لمجتمعات الصم المتنوعة في العالم. ومن هنا جاء اعتراف عديد من الدول بلغاتها المؤشرة واعتبارها من اللغات الرسمية المعتمدة. ومع التقدم التكنولوجي وتطور الذكاء الإصطناعي استفاد الصم والباحثين حول العالم من هذه التكنولوجيا وتم توظيفها واستثمارها في توثيق اللغات الإشارية ونشرها وتعليمها من خلال تصميم تطبيقات وبرامج خاصة بها بعد ان كانت تقتصر على القواميس الورقية المصورة.

4.  لغة الإشارة وتطورها في العالم العربي

أما بالنسبة لتطور اللغة الإشارية في المنطقة العربية فقد بدأت بمحاولات خجولة من خلال بعض المحاولات لتوثيق اللغات الإشارية، وأولها كان القاموس المصري عام 1972 من الجمعية الأهلية المصرية لرعاية الصم باشراف وزارة الشؤون الإجتماعية ومن ثم القاموس الاردني عام 1990وبعدها توالت القواميس المحلية، وتم توثيق لغة الإشارة في معظم الدول العربية ونذكر منها بعض الدول وهي: مصر، الأردن، فلسطين، ليبيا، العراق، الإمارات، الكويت، السعودية، المغرب، السودان، موريتانيا، قطر، سلطنة عمان، سوريا، لبنان و تونس.

تبقى الحاجة ملحة لتطوير هذه اللغة و ظهرت محاولات لتوحيد الإشارات العربية على اعتبار الأرتباط العربي بالموروث الثقافي والاجتماعي والديني واللغوي والجغرافي الواحد، مما حذا بمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب لإتخاذ قرار لتوثيق الإشارات العربية الأكثر شيوعاً واستخداماِ عند الصم العرب والخروج بقاموس عربي، وبالفعل دَشن العرب القاموس الإشاري العربي الأول برعايه جامعة الدول العربية ومشاركة فاعلة من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والإتحاد العربي للهيئات العاملة برعاية الصم وكان ذلك في 1999.

عام 1997 بدأ “الرامزي وسمرين” بتجميع المادة العلمية لإعداد القاموس الجغرافي لأسماء دول ومدن العالم وتم إنجازه عام 2004 برعاية الجمعية القطرية لذوي الاحتياجات الخاصة.

استكمالاً للجهود السابقة عقدت ورشة عمل لتوثيق الإشارات العربية الأكثر شيوعاً ولم يتضمنها القاموس الأول، وذلك خلال الفترة من 19-29 ديسمبر عام 2005م في دولة قطر.

كما استفاد الصم العرب من الثورة التكنولوجية في العالم وبدأوا بتطوير وتوثيق لغاتهم الوطنية ونشرها وتعليمها للآخرين، وظهرت مجموعة تطبيقات مهتمة بلغة الإشارة الوطنية والعربية، وبدأ كثير من الباحثين العرب الولوج لعالم هذه اللغة ودراستها وإنتاج ادبيات مختصة في علم اللغويات المؤشرة .

5. لغة الإشارة واللغات المنطوقة

لغة الإشارة لغة طبيعية تتطور تطوراً طبيعياً مع الزمن لدى طائفة مستخدميها، كما أن مبادئ بنيتها النحوية تتشابه في إطارها العام مع كل اللغات الإنسانية، ولكنها تمتلك خصوصية مستقلة في نظامها من حيث قواعدها النحوية واستقلاليتها عن اللغة المحكية.

خلال العقود الثلاثة الماضية أثبتت الـبـحوث المتعلقة في اللغات الإشارية بأنها تمتلك نفس المواصفات اللغوية للغات المنطوقة، وتطورت طبيعيا مثلهــا، ولا أحد سواء من السامعين أوالصم اخترع أياً من اللغات الإشارية الطبيعية على إمتداد أجيال من مستخدمي هذ اللغات، ومن ثمّ فإن لغات الإشارة ليست عامة أو شاملة مما يعني أنه لا وجود للغة إشارة واحدة مستعملة من قبل جميع الصم في العالم أجمع.

6.  الإشارات الدولية والإشارات العربية

لا يوجد لغة إشارة موحدة على مستوى العالم بل لكل مجتمع من الصم خصوصيته اللغوية المنفردة، وهذا سبب إشكالية لعدم قدرة الصم على التواصل فيما بينهم وخاصة إذا كانوا من بلدان مختلفة ولغة مختلفة ومع التقاء الصم حول العالم ببعضهم في الملتقيات الدولية والإقليمية تولدت الحاجة للتواصل الفعال لهذا ظهر ما يسمى بالإشارات الدولية وهي مجموعة إشارات من عديد من اللغات الإشارية المستخدمة حول العالم والأكثر شيوعاً ومفهومة ومستخدمة من عدد كبير من الصم حول العالم كما ان تلاقح اللغات فيما بينها ولد عديد من الإشارات المشتركة، والإشارات الدولية لا تعتبر ثابتة بل تتغير وتزداد وتنقص حسب المكان والزمان والجمهور المستهدف، كذلك الإشارات العربية والتي اتفق عليها الصم العرب اصبحت تستخدم في الملتقيات والإعلام، والجدير بالذكر أن لغات الإشارة العربية متشابهة الى حد كبير فيما بينها بحكم الموروث الثقافي والقرب الجغرافي باستثناء بعض الدول العربية في شمال افريقيا وهي ( الجزائر، تونس، المغرب) كذلك الصومال وجيبوتي وجزر القمر بسبب قربهم والتصاقهم بثقافات لغوية غير عربية.

7. الخاتمة

أثبتت الدراسات بأن اللغات المؤشرة هي لغات حية لها نظام وقواعد وتراكيب لغوية كغيرها من اللغات المنطوقة وتختلف عن اللغات المنطوقة من حيث التراكيب والقواعد اللغوية.  كما ان اللغات المؤشرة تتشابه في مقوماتها ومحدداتها كونها لغة تعتمد على الحركة اليدوية والإيماءات والتعبير الجسدي، لكن تختلف بشكل اليدين ومعاني ودلالات الحركات من لغة لأخرى، كذلك يجب الانتباه بأن كافة المكونات تعتبر أجزاء لا يمكن فصلها عن بعضها لتشكل بمجملها لفظ أو الفاظ لغوية ذات معنى ودلالة.

المراجع 

سمير سمرين: الدليل المهني للترجمة والمترجم بلغة الإشارة، 2012.

سمير سمرين، محمد البنعلي: قواعد لغة الإشارة القطرية العربية الموحدة، المجلس الاعلى لشؤون الاسرة، قطر،2009.

سمير سمرين : فاعلية برنامج تدريبي قائم على لغة الإشارة في إثراء الحصيلة اللغوية عند الصم ، رسالة دكتوراة غير منشورة ، 2013 .

طارق بن صالح الريس: ثنائي الثقافة ثنائي اللغة، 2010م.

مرام الجعيد، محمد العتيبي، دراسة تحليلية لغوية للغة الاشارة السعودية، 2019

Share this