التفاعل العاطفي للأطفال من ذوي التوحد في بيئة طيران افتراضية
ورقة علمية وصول مفتوح |
متاح بتاريخ:16 سبتمبر, 2025 |
آخر تعديل:16 سبتمبر, 2025
الملخص:
تستكشف هذه الدراسة قدرة الواقع الافتراضي على مساعدة الأطفال من ذوي التوحد على إدارة التحديات العاطفية للسفر بالطائرة بشكل أفضل. وقد شارك خمسة أطفال من ذوي التوحد في محاكاة طيران غامرة باستخدام الواقع الافتراضي وهي تجربة مصممة لمحاكاة تجربة الطيران الحقيقية. كما تم رصد الاستجابات العاطفية للأطفال قبل الجلسة وأثناءها وبعدها. وجرى جمع الأفكار المختلفة من خلال مقابلات مفصلة وملاحظات منظمة شملت الأطفال وعائلاتهم. وتُبرز النتائج إمكانات الواقع الافتراضي كأداة فعّالة للتعلم التجريبي مما يُساعد الأطفال على الشعور بمزيد من الراحة والاستعداد العاطفي لتحمل ضغوط السفر. ورغم قيام المحاكاة بتقديم تجربة طيران واقعية إلا أن النتائج تشير إلى الحاجة إلى سيناريوهات أكثر تنوعًا وتعقيدًا لإعداد الأطفال بشكل كامل لمواجهة أحداث الحياة الواقعية غير المتوقعة. ويدعم هذا البحث بشكل عام الدور المتنامي للواقع الافتراضي كتكنولوجيا داعمة للأطفال من ذوي التوحد إذ تساعدهم على بناء استعدادهم العاطفي وثقتهم بأنفسهم في مواجهة مواقف واقعية كالسفر بالطائرة.
الكلمات المفتاحية: اضطراب طيف التوحد، الواقع الافتراضي، التكنولوجيا المساعدة.
1. المقدمة
يعد اضطراب طيف التوحد (ASD) إعاقة نمائية تتميز بضعف في التواصل والتفاعل الاجتماعي وأنماط سلوكية أو اهتمامات أو أنشطة محدودة ومتكررة. وغالبًا ما يواجه الأفراد المصابون باضطراب طيف التوحد تحديات في مجال التواصل البصري وفهم المشاعر وتكوين العلاقات مع الآخرين إلى جانب سلوكيات متكررة وروتين صارم واستجابات حسية غير عادية. وتظهر أعراض التوحد عادةً في مرحلة الطفولة المبكرة وتكون متفاوتة في شدتها. إن لاضطراب طيف التوحد أساس وراثي قوي نظراً لارتفاع معدلات تكرار الإصابة بين أفراد الأسرة والاختلافات في نمو الدماغ، كما وقد تساهم العوامل البيئية أيضًا في تطوره وإن كان بدرجة أقل. ويعتمد التشخيص بشكل عام على التقييمات السلوكية حيث لا توجد اختبارات طبية قاطعة في هذا المجال. ويصيب هذا الاضطراب حوالي 1% من السكان مع ارتفاع المعدلات لدى الذكور وتكرار الإصابة بأمراض مصاحبة مثل القلق أو الإعاقة الذهنية. وبالرغم من النتائج الجيدة للتدخل المبكر إلا أن معظم الأفراد من ذوي التوحد يحتاجون إلى الدعم مدى الحياة.
لقد وفرت الدراسات الحديثة حول التوحد والسفر فهماً متزايداً وإن كان محدودًا للتحديات الفريدة التي يواجهها الأفراد المصابون بالتوحد وأسرهم في مجالات السياحة والنقل. حيث تُشكّل البيئات الجديدة وخاصةً بيئات السفر تحدياتٍ كبيرةً للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد وذلك بسبب حساسياتهم الحسية المرتفعة وميلهم الشديد للروتين وصعوبات في التأقلم مع عدم القدرة على التنبؤ بما هو آت. وغالبًا ما تشكل المطارات بيئة مُرهقة لهم حيث الأضواء الساطعة والضوضاء والمساحات المزدحمة والديناميكيات الاجتماعية غير المألوفة مما قد يُثير القلق والضيق والصعوبات السلوكية. ولا تؤثر هذه التجارب على الطفل فحسب بل تشكل أيضاً عامل ضغط إضافي على عائلاتهم وغالبًا ما تُحدّ من قدرتهم أو رغبتهم في السفر. وقد سلّطت الدراسات الضوء على عوائق رئيسية في هذا السياق مثل التحميل الحسي الزائد والأحداث غير المتوقعة وخدمات الدعم المحدودة أثناء السفر جواً وعبر وسائل النقل العام وأثناء العطلات العائلية. وغالبًا ما تُبلغ العائلات عن ضغوط متزايدة بسبب نقص خدمات السفر التي تراعي اضطراب طيف التوحد والبيئات التي لا تُلبّي الاحتياجات الحسية والتواصلية. وعلى الرغم من أن هناك جهود تبشر بالخير مثل تصميم المطارات الشاملة والتدريب على السفر بوساطة الأقران إلا أن هناك ندرة في الأبحاث حول التدخلات المنهجية والاستراتيجيات على مستوى هذه الصناعة ككل. حيث توجد فجوة كبيرة في استكشاف كيفية قدرة وسائل السفر والوجهات المختلفة على التكيف لتلبية الاحتياجات التنموية والحسية المتطورة للمسافرين المصابين بالتوحد على اختلاف أعمارهم.
تشدد الأبحاث الحالية على أن تنظيم الانفعالات (ER) يُمثّل تحديًا كبيرًا للأفراد المصابين باضطراب طيف التوحد (ASD) مما يتسبب في صعوبات اجتماعية ومشاكل سلوكية وحالات صحية نفسية مصاحبة كالقلق والاكتئاب. وغالبًا ما يُظهر الأطفال المصابون بالتوحد اختلالًا في تنظيم الانفعالات من خلال الانهيارات العصبية أو العدوانية أو الانسحاب وهي أمور قد تستمر حتى مرحلة المراهقة والبلوغ. وتُشير الدراسات إلى أن القصور في كلٍّ من الوعي العاطفي والوظائف التنفيذية يُعيق قدرة الأفراد المصابين بالتوحد على إدارة الإثارة وتكييف السلوكيات في السياقات الاجتماعية. كما تُشير الدراسات إلى أن اختلال الانفعالات لا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمعدل الذكاء مما يُؤكد الحاجة إلى تدخلات مُستهدفة عبر المستويات المعرفية المختلفة. وقد أظهرت التدخلات الحديثة مثل برنامج تعزيز الوعي العاطفي والمهارات (EASE) نتائج واعدة في تحسين تنظيم الانفعالات من خلال تعليم تقنيات اليقظة والوعي العاطفي. وعلى الرغم من التقدم المُحرز إلا أنه لا تزال هناك فجوات في التقييمات القابلة للتطوير وفي تكييف العلاجات مع السمات العصبية الحيوية الفردية وخاصةً لأولئك الذين لديهم سمات تجنب الطلب (demand-avoidant traits). وعلى العموم فإنّ تعزيز مهارات تنظيم المشاعر يعد أمرًا بالغ الأهمية لتحسين النتائج طويلة المدى لدى الأفراد المصابين باضطراب طيف التوحد. إن الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد يميلون إلى البحث عن القدرة على التنبؤ كما يميلون بشكل أكبر إلى تجنب البيئات غير المألوفة التي تُخلّ بروتينهم المعتاد. وقد يُظهرون في مثل هذه الحالات قلقًا متزايدًا أو سلوكيات متكررة أو انهيارات عاطفية. وتعكس هذه الاستجابات نطاقاً أوسع من الصعوبات التي يواجهونها في التعامل مع البيئات الحسية والاجتماعية الجديدة بالنسبة لهم.
وقد برزت تكنولوجيا الواقع الافتراضي (VR) كأداة تدخل واعدة لمواجهة هذه التحديات. كما يتزايد الاعتراف بالواقع الافتراضي كأداة محاكاة واعدة لدعم الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد لا سيما في بناء المهارات الاجتماعية والتواصلية ومهارات الحياة اليومية. حيث يوفر الواقع الافتراضي بيئات تفاعلية غامرة حيث يمكن للأطفال المصابين بالتوحد أن يمارسوا وبأمان سلوكيات قد تكون صعبة ومربكة لهم أو صعبة المحاكاة في الحياة الواقعية مثل السفر جواً والتفاعلات الاجتماعي المختلفة أو الاستجابة الطارئة للأحداث غير المألوفة. وتشير الدراسات إلى نجاح التدخلات القائمة على الواقع الافتراضي في تعزيز الإدراك العاطفي وأداء المهام والاستعداد للمواقف الجديدة من قبل الأطفال المصابين بالتوحد. فعلى سبيل المثال تتيح أدوات الواقع الافتراضي المصممة لمجال السلامة من الحرائق أو الاستعداد للكوارث للمستخدمين المصابين بالتوحد المشاركة بشكل متكرر في مهام اتخاذ قرارات واقعية مما يُحسّن وعيهم بالسلامة بطريقة غير مُهددة لهم. كما أثبتت تدخلات الواقع الافتراضي أنها تُحسّن الانتباه والتفاعل أثناء التعلم خاصةً عند دمجها مع الألعاب أو الشخصيات الافتراضية. وتُوفر محاكاة الواقع الافتراضي مثل بيئات الطائرات أو المطارات تجارب آمنة تخضع لتحكم كامل وقابلة للتكرار مما يُساعد في تخفيف حساسية الأطفال تجاه ضغوطات السفر. ويمكن للواقع الافتراضي من خلال التعرض المتكرر لنشاط بعينه والتفاعل الموجه أن يعزز مهارات التأقلم ونقل السلوكيات المكتسبة إلى بيئات العالم الحقيقي. وتُعد المطارات نقطة محورية للتدخلات القائمة على الواقع الافتراضي نظرًا لمتطلباتها الحسية والاجتماعية المعقدة. وبينما تشكل عوامل التكلفة وسهولة النفاذ عوائق أمام تطبيق هذه التكنولوجيا على نطاق واسع تؤكد الدراسات الحالية على إمكانات الواقع الافتراضي كأداة مبتكرة وفعالة في تدخلات التوحد.
وتهدف هذه الدراسة إلى استكشاف كيفية استجابة الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد عاطفيًا وسلوكيًا لجهاز محاكاة تجربة الطيران عبر الواقع الافتراضي مع التركيز بشكل خاص على بيئة المطار. وتسعى الدراسة من خلال محاكاة تجربة السفر هذه إلى تقليل القلق وتحسين القدرة على التكيف وتعزيز استعداد الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد للسفر.
2. المنهجية
2.1. تصميم الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى استكشاف كيفية استجابة الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد عاطفيًا لمحاكاة تجربة الطيران عبر الواقع الافتراضي. وتهدف هذه الدراسة التي وافقت عليها هيئة المراجعة المؤسسية (Institutional Review Board) (رقم التعريف QBRI-IRB-2023-99) إلى خلق تجربة آمنة وغامرة تسمح للمشاركين بالتفاعل مع بيئة محاكاة الطيران. وقد استُخدم نهج نوعي لجمع الرؤى القيّمة والمباشرة من خلال مقابلات شبه منظمة وملاحظات منظمة واستبيانات موجزة. وقد أتاحت هذه المنهجية المرنة للباحثين فهمًا أفضل للتجربة الفريدة لكل طفل وتحديد أنماط استجابته لبيئة الواقع الافتراضي. كما تم تنفيذ اختبارات قبلية وبعدية لقياس أي تغيرات في المشاعر أو المواقف أو مستويات الراحة قبل وبعد المحاكاة مما يوفر صورة واضحة عن تأثير التجربة على المشاركين.
2.2. تجربة المحاكاة: خلق بيئة سفر واقعية
بهدف محاكاة تجربة السفر جواً بشكل واقعي جلس الأطفال على كراسي تشبه مقاعد الطائرات أمام شاشة عرض فيديو لمضيفة طيران تُقدم تعليمات السلامة وتُرحّب بالركاب. ولإضفاء المزيد من الواقعية تم تشغيل مضخم صوت يصدر أصوات طائرة في الخلفية مما ساعد على خلق أجواء حسية تُحاكي تجربة الطيران الحقيقية. أما الأطفال الذين يُحبّون نظارات الواقع الافتراضي فقد أتيحت لهم المحاكاة أيضًا بتنسيق شاشة قياسي. وقد استغرقت الجلسة بأكملها ما بين دقيقتين إلى خمس دقائق مما أتاح للأطفال فرصة كافية للتأقلم مع تجربة السفر دون الشعور بالإرهاق. كما كان للمشاركين حرية القرار باستعمال أو عدم استعمال نظارة الواقع الافتراضي مما يجعل بيئة المحاكاة قابلة للتكيف مع مستويات راحتهم الفردية. (انظر الشكل 1 للاطلاع على عرض مرئي لبيئة المحاكاة).
الشكل 1: إعداد المحاكاة
2.3. الإجراء
تم اختيار المشاركين في الدراسة باستخدام أسلوب العينة الهادفة بالتعاون مع مركز- مدى قطر للتكنولوجيا المساعدة الذي دعا العائلات المؤهلة للمشاركة. وقد تم استقبال العائلات عند وصولهم بحفاوة وتقديم شرح واضح للدراسة والغرض منها ومدتها وإجراءات السرية وحقوقهم كأفراد مشاركين. كما تم الحصول على الموافقة من الآباء أو الأوصياء في حين أبدى الأطفال موافقتهم مؤكدين رغبتهم في المشاركة. وقبل بدء تجربة الواقع الافتراضي أجرت العائلات مقابلة قصيرة وملأت استبيانًا يغطي التفاصيل الديموغرافية وتجارب السفر السابقة مع أطفالهم. كما تم تسجيل هذه المقابلات صوتيًا لضمان دقتها بموافقة العائلة.
وقد استخدمت الدراسة أداة (Go Talk Now) وهي جهاز تواصل معزز وبديل (AAC) يوفر إخراجًا صوتيًا عند لمس الصور لمساعدة الأطفال على التعبير عن مشاعرهم قبل المحاكاة. وقد أوصى المتخصصون في المركز بهذه الأداة تحديدًا نظرًا لإلمام الأطفال بها.
ثم دخل كل طفل برفقة أحد أفراد أسرته إلى غرفة المحاكاة لتجربة الطائرة الافتراضية. وطلب منهم بعد الخروج مشاركة مشاعرهم باستخدام جهاز التواصل المعزز والبديل نفسه. وقام الباحث بمراقبة ردودهم وتسجيلها بدقة. كما أُجريت بعد التجربة مقابلة مع العائلات لتسجيل انطباعاتهم حول جهاز محاكاة الواقع الافتراضي وتأثيره.
3. النتائج
تم تحليل الملاحظات التي تم جمعها من الأطفال وعائلاتهم خلال الدراسة باستخدام نهج تحليل موضوعي استقرائي قائم على البيانات. وقد ساعدت هذه الطريقة في الكشف عن أربعة مواضيع رئيسية: الاستجابات العاطفية والتعلم التجريبي وواقعية المحاكاة واقتراحات تحسين تجربة الواقع الافتراضي.
3.1. نظرة عامة على المشاركين
شارك في الدراسة خمسة أطفال تم تشخيصهم باضطراب طيف التوحد. ولضمان السرية يتم الإشارة إلى كل مشارك برمز فريد (مثل: رقم 1، رقم 2، إلخ). ويوفر الجدول 1 ملخصًا لبيانات المشاركين الديموجرافية. وقد كان لدى ثلاثة أطفال (رقم 1، رقم 2، رقم 3) خبرة سابقة مع ألعاب الواقع الافتراضي وجميع المشاركين باستثناء رقم 2 كانوا يسافرون بالطائرة بانتظام. أما رقم 2 فقد سبق له أن طار مرة واحدة فقط عندما كان عمره تسعة أشهر. واختار الأطفال الخمسة جميعهم ارتداء نظارات الواقع الافتراضي خلال المحاكاة.
رقم المشارك | بيانات المشاركين الديموجرافية | ||
العمر (بالسنوات) | شدة التوحد | لفظي أو غير لفظي | |
رقم 1 | 8 | منخفض | لفظي |
رقم 2 | 13 | منخفض | لفظي |
رقم 3 | 12 | منخفض | لفظي |
رقم 4 | 16 | متوسط | جزئيًا |
رقم 5 | 10 | منخفض | جزئيًا |
الجدول 1: البيانات الديموجرافية
3.2. التفاعل العاطفي والتعلم التجريبي
- ردود فعل الأطفال
أبدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد خلال محاكاة الطيران الافتراضية استجابات عاطفية إيجابية باستمرار. وقد عبّر العديد منهم عن مشاعر السعادة والحماس والمتعة مما يشير إلى أن المحاكاة لم تكن مقبولة فحسب بل كانت أيضًا تفاعلية. كما أعرب بعض الأطفال عن رغبتهم في تكرار التجربة مما عزز فكرة أن البيئة الغامرة كانت مرحة وممتعة بالنسبة لهم:
- “كانت أشبه بلعبة وقد كانت ممتعة لي.” – المشارك رقم 1
- “كنت سعيدًا وأعجبتني التجربة.” – المشارك رقم 2
- ملاحظات أولياء الأمور حول مشاعر الأطفال
قدمت العائلات رؤى قيّمة حول الحالة العاطفية لأطفالهم طوال فترة المحاكاة. وأفاد العديد من أولياء الأمور أن أطفالهم بدوا سعداء ومتحمسين للمشاركة:
- “كان طفلي متحمسًا جدًا خلال التجربة.” – ولي أمر رقم 1
- “بدا طفلي سعيدًا بالتجربة وأعرب عن رغبته في المشاركة مرة أخرى.” – ولي أمر رقم 3
3.3. الواقع الافتراضي كأداة للتعلم التجريبي
لقد برز موضوع أساسي آخر وهو دور الواقع الافتراضي في تعزيز التعلم التجريبي وهي عملية يكتسب فيها الأطفال المعرفة من خلال التفاعل المباشر والتجربة الحسية. حيث أتاحت بيئة الطائرة عبر الواقع الافتراضي للأطفال الفرصة لاستكشاف عناصر مثل المقاعد والرفوف العلوية وهيكل المقصورة مما وفر بيئة تعليمية غامرة وملموسة. وقد دعمت هذه الممارسات العملية تحويل التجارب الجديدة إلى فهم هادف ذا مغزى.
وعلق أحد أولياء الأمور قائلاً: “كانت هذه التجربة مهمة للغاية. لقد تفاعل طفلي مع البيئة المحيطة واستكشف الكراسي ورف الحقائب. إن المحاكاة أداة رائعة لإكساب الأطفال الخبرة.” – ولي أمر الطفل رقم 4
3.4. المشاركة التفاعلية من خلال الواقع الافتراضي
شجعت محاكاة الواقع الافتراضي للطائرة الاستكشاف والتفاعل النشطين مما سمح للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد بالتفاعل بشكل هادف مع محيطهم. حيث تفاعل المشاركون مع عناصر مختلفة مثل المقاعد وأحزمة الأمان ورفوف الأمتعة مما عزز التعلم العملي في بيئة خاضعة للرقابة. وقد لعب هذا التفاعل دورًا حيويًا في بناء الألفة والراحة في بيئة السفر.
- “لقد تفاعل طفلي مع البيئة المحيطة مستكشفًا الكراسي ورف الحقائب.” – عائلة رقم 4
- “لقد ظل طفلي طوال الوقت يستكشف البيئة المحيطة به ويتفاعل معها.” – عائلة رقم 5
3.5. دعم التحضير للسفر
أفادت العائلات باستمرا أن محاكاة الواقع الافتراضي ساعدت أطفالهم على فهم وتوقع ما يمكن حدوثه أثناء تجربة السفر الجوي في الحياة الواقعية . حيث قامت هذه التجربة الغامرة بتعريف الأطفال على مخطط المقاعد وتعليمات السلامة وآداب الطيران العامة وكل ما يساعد في تقليل القلق بشأن التجارب غير المألوفة لهم.
- “إن المحاكاة أداة مهمة جدًا لتحضير الطفل المصاب بالتوحد لتجارب جديدة مثل السفر بالطائرة.” – عائلة رقم 1
- “الآن وبعد أن تعرض طفلي لهذه التجربة فإنه قد يكون أقل إزعاجًا أو خوفًا.” – عائلة رقم 2
- “تساعد هذا التجربة من خلال تعريف الأطفال بالمقاعد والبيئة المحيطة وتعليمات السلامة.” – عائلة رقم 3
3.6. الواقعية والتجربة شبه الأصلية
يبرز هنا أمر هام آخر وهو المستوى العالي من الواقعية في المحاكاة. حيث أشار كل من الأطفال والآباء إلى مدى قرب البيئة من محاكاة كابينة الطائرة الحقيقية. حيث ساهمت التفاصيل بدءاً من ترتيبات المقاعد إلى أحزمة الأمان والنوافذ في خلق شعور بالواقعية أدى إلى تعزيز تجربة التعلم.
- “بدت الغرفة تمامًا مثل مقصورة الطائرة.” – عائلات رقم 4 ورقم 5
- “نفس المقعد ونفس حزام الأمان ونفس النوافذ ونفس رف الحقائب الحقيقي.” – المشارك رقم 1
- “بدت وكأنها مقصورة طائرة حقيقية.” – عائلة رقم 3
3.7. مساحة تعلم آمنة ومنظمة
وفرت تجربة المحاكاة بديلاً هادئًا ومنظماً ومُريحًا للحواس لبيئة الطائرات الحقيقية المُرهقة عادةً. وقد خلق هذا الأمر بيئةً آمنةً للمشاركين حيث يُمكن للأطفال تعلم وممارسة السلوكيات الأساسية دون ضغوط أو تقلبات السفر الفعلي.
“أعجبتني المحاكاة أكثر من الطائرة الحقيقية لأن المكان أكثر هدوءًا وتنظيمًا.” – ولي أمر طفل رقم 5
3.8. توصيات لتحسين محاكاة الواقع الافتراضي
كشفت ملاحظات أولياء الأمور عن العديد من التوصيات العملية التي تهدف إلى تعزيز فعالية تجربة محاكاة الطيران عبر الواقع الافتراضي. وتُركز هذه الاقتراحات على زيادة تعقيد وواقعية السيناريوهات لإعداد الأطفال ذوي التوحد بشكل أفضل لطيف أوسع من تجارب السفر الواقعية والتجارب الأساسية الأخرى.
وقد أكد أولياء الأمور على ضرورة تضمين ميزات أكثر دقة وديناميكية في تجربة المحاكاة بهدف استنساخ تجارب الطيران الحقيقية. حيث اقترح أحد أولياء الأمور محاكاة أحداث السفر الرئيسية مثل:
الإقلاع والهبوط مع المؤثرات الصوتية:
“سيكون من المفيد جدًا تجربة سيناريو أكثر تعقيدًا لتجربة الطيران بما يتضمن إقلاع الطائرة وهبوطها مع المؤثرات الصوتية ومساعدة المضيف الجوي للطفل في العثور على مقعده وتقديم تعليمات حول استخدام أحزمة الأمان.” – عائلة المشارك رقم 2
يُبرز هذا أهمية تعريف الأطفال بالإشارات السمعية والإجرائية أثناء السفر جواً والتي غالبًا ما تُسبب لهم القلق.
محاكاة مراحل السفر الصعبة
قام أحد أولياء الأمور بتحديد مراحل السفر التي تسبب درجات أعلى من التوتر مثل الصعود إلى الطائرة والفحص الأمني والانتظار في الطابور كجوانب أساسية يجب تضمينها في تجربة الواقع الافتراضي.
“إن أصعب المراحل على العائلات هي الصعود إلى الطائرة ووزن الحقائب والانتظار في الطابور. أرى أنه يجب تضمين هذه المراحل في المحاكاة.” – عائلة المشارك رقم 3
يمكن أن يُساعد دمج هذه اللحظات الانتقالية التي غالبًا ما تكون فوضوية في تخفيف حساسية الأطفال تجاه الضغوطات المحتملة ويُهيئهم لمواجهة تحديات الحياة الواقعية.
توسيع نطاق تجارب المحاكاة لتشمل مجالات أخرى غير السفر
لقد لاحظت العائلات أنه إلى جانب السفر جواً فإن هناك إمكانات كبيرة لاستخدام الواقع الافتراضي كأداة لإعداد الأطفال لتجارب مهمة أخرى. وكان من بين الاقتراحات:
“سيكون من الرائع تطوير المزيد من سيناريوهات المحاكاة مثل زيارة طبيب الأسنان أو غيرها من التجارب المهمة.” – عائلة رقم 1
تُوسّع هذه الرؤية نطاق تطبيق الواقع الافتراضي ليتجاوز حدود الطيران مما يجعله أداة فعّالة لإعداد الأطفال ذوي التوحد لمختلف المواقف التي تُثير القلق أو المواقف غير المألوفة بالنسبة لهم.
4. المناقشة
تُظهر هذه الدراسة الإمكانات الكبيرة للواقع الافتراضي في دعم الأطفال ذوي التوحد أثناء استعدادهم لتجارب غير مألوفة ومُرهِقة لهم في كثير من الأحيان وخاصةً السفر جواً. فقد مكنت تجربة محاكاة الطيران الأطفال من التفاعل مع بيئتهم والتعبير عن مشاعر إيجابية وممارسة سلوكيات يصعب عليهم عادةً ممارستها في الحياة الواقعية. ولا تقتصر النتائج هنا على إثبات التأثير العاطفي والتعليمي للواقع الافتراضي فحسب بل تُقدِّم أيضًا رؤى عملية حول كيفية تصميم هذه التدخلات وتوسيع نطاقها في سياقات علاجية أو تعليمية أوسع.
لقد كانت الاستجابة العاطفية الإيجابية المستمرة التي تمت ملاحظتها لدى الأطفال إحدى النتائج الأكثر تشجيعًا. فقد أظهروا علامات فضول وفرح وراحة أثناء تفاعلهم مع بيئة المُحاكاة. ويتناسب هذا التوافق العاطفي مع من يؤكدون على دور “الحضور” في الواقع الافتراضي كمحرك للتفاعل العاطفي والتعلم. ويبدو أن الطبيعة الغامرة لمحاكاة الطيران تتيح حالة تسمى “الانسياب” وهي حالة نفسية وصفها (Csikszentmihalyi) حيث ينغمس الأفراد بعمق في نشاط يناسب قدراتهم بمستوى مناسب من التحديات. ولا يقتصر دور هذه التجارب على جعل التعلم ممتعًا فحسب بل يُمكنها أيضًا تنظيم مشاعر القلق وبناء المرونة العاطفية.
تعزز هذه النتيجة مخرجات مماثلة في مجال فئات أخرى من ذوي النمو العصبي مثل الأطفال المصابين بالشلل الدماغي. وقد أظهر بحث (Reid) أنه يمكن للواقع الافتراضي أن يزيد من المرح والتركيز بشكل كبير من خلال حالات الانسياب الغامر مما يتطابق مع ردود فعل المشاركين في التجربة. كما سمحت القدرة على التفاعل بشكل آمن ومستقل داخل البيئة الافتراضية في هذه الدراسة للأطفال المصابين بالتوحد ببناء الثقة والاستكشاف دون التعرض للضغوط المرتبطة عادة بالبيئات العامة أو المكثفة حسيًا.
وإلى جانب الفوائد العاطفية فقد أثبتت محاكاة الطيران باستخدام تكنولوجيا الواقع الافتراضي فعاليتها كمنصة للتعلم التجريبي. ويرتكز هذا النهج المستمد من نظرية (Kolb) للتعلم على اكتساب المعرفة من خلال التجربة المباشرة. وقد مارس الأطفال في بيئة الواقع الافتراضي سلوكيات الصعود إلى الطائرة بنشاط وتفاعلوا مع عناصر مادية مثل أحزمة الأمان وطاولات الطعام واستجابوا لإشارات منظمة داخل المقصورة. الأمر الذي يدعم النتائج السابقة التي توصل إليها (Kandalaft et al.) الذين أثبتوا أن التدريب القائم على الواقع الافتراضي يمكن أن يعزز المهارات الاجتماعية والوظيفية لدى الأفراد المصابين بالتوحد. وتكمن قوة الواقع الافتراضي في قدرته على توفير بيئة تعليمية آمنة وقابلة لتكرار الأنشطة وخاضعة للتحكم. حيث يمكن للأطفال التدرب على السيناريوهات عدة مرات وتلقي الملاحظات وبناء الكفاءة تدريجيًا في بيئات قد لا تكون متاحة لولا ذلك. كما تتيح محاكاة الواقع الافتراضي إمكانية التخصيص مما يجعلها قابلة للتكيف مع الاحتياجات التنموية المتنوعة والأنماط الحسية المختلفة.
يعد الاهتمام بالواقعية من أهم السمات المميزة لنجاح محاكاة الطيران. حيث ذكر المشاركون وعائلاتهم مرارًا كيف كانت البيئة تحاكي مقصورة طائرة حقيقية بمقاعدها وأحزمة مقاعدها ونوافذها وحجرات الأمتعة. ويُعد هذا المستوى من الدقة بالغ الأهمية إذ تُظهر الأبحاث أن تعميم المهارات يتحسن عندما تتطابق البيئات المحاكية بشكل وثيق مع ظروف العالم الحقيقي. كما كانت الطبيعة الهادئة والمنظمة لبيئة الواقع الافتراضي مختلفة بشكل كبير عن تجربة المطارات أو الرحلات الجوية الفعلية الفوضوية والمرهقة حسياً. وقد جعلت هذه الواقعية المحاكاة أكثر قابلية للنفاذ بالنسبة للأطفال المصابين بالتوحد الذين غالبًا ما يكونون شديدي الحساسية تجاه التقلبات كما أنها زادت من فعاليتها في تعزيز معرفتهم بالمحيط دون إرهاقهم.
إن لنتائج هذه الدراسة آثارٌ قيّمة على مجال استخدام تكنولوجيا الواقع الافتراضي وهي آثار تتجاوز تجربة السفر جواً. فمن خلال تمكين الأطفال من التعرّف على تجارب جديدة في بيئة منخفضة التوتر وخاضعة لرقابة شديدة يُمكن لتدخلات الواقع الافتراضي أن تُخفّف من القلق لديهم وتزيد من استعدادهم لخوض التجارب وتُحسّن جودة الحياة بشكل عام لهم وعائلاتهم. كما يُمكن توسيع نطاق المحاكاة لتشمل تحدياتٍ واقعية أخرى مثل زيارة طبيب الأسنان أو حضور المناسبات الاجتماعية أو استخدام وسائل النقل العام مما يجعل الواقع الافتراضي أداةً متعددة الاستخدامات للاستعداد للحياة اليومية. كما تُشير النتائج إلى أن الاستعداد العاطفي والتعلم التجريبي والواقعية البيئية ليست مكوناتٍ معزولة بل تعمل معًا باتساق كبير. الأمر الذي يفتح الباب أمام تطبيقات الواقع الافتراضي متعددة التخصصات التي تجمع بين العلاج السلوكي والعلاج الوظيفي وممارسات التربية الخاصة في منصةٍ واحدة متكاملة.
على الرغم من تقديم هذه الدراسة لنتائج واعدة إلا أنها تبقى ذات نطاق محدود. حيث يحد صغر حجم العينة من إمكانية تعميم النتائج كما أن الاعتماد على النتائج التي يُبلغ عنها الآباء يُثير مسألة التحيز الذاتي. ويمكن للبيانات الفسيولوجية الموضوعية مثل معدل ضربات القلب أو المؤشرات الحيوية للتوتر أن تُقدم أدلةً أقوى على التأثير العاطفي في الدراسات المستقبلية. ورغم أن الآثار المباشرة لهذه الدراسة كانت إيجابية إلا أنها لم تُقيّم النتائج طويلة المدى أو إمكانية نقل المهارات في العالم الحقيقي بعد المحاكاة. ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستستمر هذ الفوائد أو ما إذا كانت ستصمد أمام الضغوط الفعلية للسفر جواً. وهكذا فإنه يتوجب على الأبحاث المستقبلية أن تُعالج هذه الفجوات من خلال التصاميم طويلة الأمد ومقارنات الضوابط.
ويفرض هذا النجاح الأولي على تدخلات الواقع الافتراضي المستقبلية استكشاف سيناريوهات أكثر تعقيدًا وواقعية مثل الإقلاع والهبوط والانتظار في طوابير أو التفاعل مع طاقم الطائرة لمحاكاة تجربة السفر الكاملة بشكل أفضل. كما أن هناك فوائد أوسع نطاقاً قد تنتج عن توسيع نطاق استخدام الواقع الافتراضي في مجالات أخرى من الحياة (مثل المواعيد الطبية والانتقالات المدرسية والتجمعات الاجتماعية). كما أن هناك إمكانية لتحسين أنظمة الواقع الافتراضي باستخدام عناصر حسية تكيفية مثل المشاهد الصوتية والتغذية الراجعة اللمسية والتتبع العاطفي الفوري باستخدام الذكاء الاصطناعي أو المستشعرات البيومترية. ولا تقتصر هذه التحسينات على تعميق التجربة الغامرة فهي تزود الممارسين أيضًا بملاحظات مباشرة حول ردود فعل الأطفال أثناء المحاكاة. وستكون هذه البيانات بالغة الأهمية لتصميم التدخلات ودعم استراتيجيات علاجية أكثر تخصيصًا.
5. الخاتمة
تُسلّط هذه الدراسة الضوء على الإمكانات الواعدة للواقع الافتراضي كأداة تعليمية وتأهيلية للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد وتحديدًا من خلال الاستخدام المبتكر لجهاز محاكاة طيران واقعي. فقد قدمت هذه الدراسة رؤى قيّمة حول الاستجابة العاطفية والسلوكية للأطفال من خلال جعلهم يخوضون التجربة في بيئة سفر واقعية. وبرزت أربعة محاور رئيسية في الدراسة: التفاعل العاطفي والتعلم التجريبي وواقعية المحاكاة والتغذية الراجعة البناءة للتحسين المستقبلي. كما كشفت الدراسة أن الواقع الافتراضي قادر على إثارة ردود فعل عاطفية إيجابية وتوفير مساحة آمنة وممتعة للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد للتعلم والاستكشاف. وتدعم هذه النتائج فكرة أن التجارب الغامرة مثل محاكاة الطيران باستخدام الواقع الافتراضي يمكن أن تعزز التفاعل العميق بما يتوافق مع مبادئ نظرية الانسياب وتُحسّن عملية التعلم. كما تعكس المشاركة النشطة للأطفال أثناء المحاكاة مبادئ نموذج (Kolb) للتعلم التجريبي مؤكدةً على فعالية الواقع الافتراضي في خلق فرص تعلم عملية وهادفة. ويُقدّم هذا البحث حجة دامغة لدمج الواقع الافتراضي في الاستراتيجيات التعليمية المُصممة للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد. كما أن اقتراحات المشاركين لتضمين سيناريوهات أكثر تعقيدًا وتنوعًا تشير إلى ظهور اتجاهات مستقبلية لتحسين تطبيقات الواقع الافتراضي مما قد يزيد من إمكانية تطبيق المهارات المكتسبة في البيئات الافتراضية وتعميمها في العالم الحقيقي.