بناء بيئة عمرانية خالية من العوائق: رؤية مركز مدى لقطر مُتيسرة للجميع
ورقة علمية وصول مفتوح |
متاح بتاريخ:16 سبتمبر, 2025 |
آخر تعديل:16 سبتمبر, 2025
الملخص:
تستكشف هذه الورقة البحثية المبادرة الوطنية لمركز مدى لتعزيز بيئة عمرانية خالية من العوائق في قطر من خلال تطبيق مبادئ التصميم الشامل. وتُسلّط الورقة الضوء على أهمية التخطيط الحضري والعمارة الشاملة لضمان إمكانية الوصول والمشاركة للأشخاص ذوي الإعاقة وكبارالسن. وتصنف هذه الورقة البحثية نموذج مركز مدى ضمن أفضل الممارسات الدولية وذلك استناداً إلى الأدبيات العالمية وخدمات الاستشارات والتدريب التي يُقدّمها المركز.
الكلمات المفتاحية: التصميم الشامل، إمكانية الوصول، البيئة العمرانية، إدماج ذوي الإعاقة، التخطيط الحضري.
1. المقدمة
تُعدّ البيئة العمرانية الشاملة أمرًا أساسيًا لإنشاء مساحات عامة توفر المساواة وسهولة الوصول لتكون في خدمة الأفراد على اختلاف قدراتهم. وتضمن إمكانية الوصول في العمارة والتصميم الحضري قدرة الجميع بمن فيهم الأشخاص ذوو الإعاقة على التنقل باستقلالية وأمان وكرامة. ويُعدّ هذا المبدأ أساسيًا لتنفيذ أطر العمل الدولية مثل اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة كما أنه يتماشى مع أهداف التنمية الحضرية المستدامة. ولا تزال التحديات في البيئات الحضرية القائمة بدءًا من الأرصفة ومراكز النقل التي يصعب الوصول إليها ووصولًا إلى المرافق العامة تساهم في تهميش الأشخاص ذوي الإعاقات الحركية أو الحسية أو الإدراكية. ويوضح هذا الأمر الحاجة إلى استراتيجيات تصميم شاملة استباقية تُعطي الأولوية للشمول منذ البداية بدلًا من الحلول المُعدّلة الطارئة.
تُشير الأبحاث إلى أن دور التصميم المُيسّر لا يقتصر على تحسين جودة حياة الأشخاص ذوي الإعاقة فحسب بل أنه يُعزز أيضًا سهولة الاستخدام والراحة لفئات أوسع من السكان بمن فيهم كبارالسن والأسر التي لديها أطفال صغار. كما أثبتت النُهج التشاركية والتقييمات الشاملة بعد الاستخدام فعاليتها في تحديد عوائق إمكانية الوصول وحلها في سياقات حضرية متنوعة.
وتستكشف هذه الورقة البحثية الجهود المتواصلة التي يبذلها مركز مدى لتنفيذ إطار وطني لإمكانية الوصول في قطر من خلال تطبيق مبادئ التصميم الشامل. وتصنف الورقة هذه المبادرة في إطار الجهود العالمية المعاصرة لبناء بيئات حضرية خالية من العوائق. كما أنها تُسلّط الضوء على قاعدة الأدلة الداعمة للتصميم الحضري الشامل كأداة للتمكين والتماسك الاجتماعي.
2. تعزيز إمكانية الوصول من خلال التصميم الشامل
يشير التصميم الشامل إلى عملية تهيئة بيئات يسهل على جميع الأشخاص الوصول إليها بغض النظر عن قدراتهم أو أعمارهم أو ظروفهم. ولا يعد هذا المفهوم مجرد معيار تقني بل هو نهج استباقي للتنوع البشري في البيئة العمرانية. ويرتكز التصميم الشامل في الأصل على مناصرة الأشخاص ذوي الإعاقة وهو اليوم يشمل أيضًا احتياجات كبار السن والأطفال والأشخاص الذين يعانون من إصابات مؤقتة أو لديهم قدرات حسية مختلفة.
2.1. فوائد التصميم الشامل لجميع الفئات
تعود حلول التصميم الشامل بالفائدة على مجموعة واسعة من المستخدمين. ولنأخذ منحدرات الأرصفة على سبيل المثال والتي كانت مخصصة في البداية لمستخدمي الكراسي المتحركة أما اليوم فهي تستخدم من قبل الآباء الذين يستخدمون عربات الأطفال والمسافرين الذين يحملون أمتعتهم والعمال الذين يستخدمون عرباتهم. ولا تقتصر هذه الميزات الشاملة على توفير إمكانية الوصول المادي فحسب بل هي تُسهم أيضًا في الاستقلالية والسلامة وسهولة الاستخدام. حيث تؤكد الدراسات الحديثة أن أماكن العبور الخالية من العوائق ونقاط الاستراحة وأنظمة التوجيه تُحسّن من إمكانية التنقل لكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة على حد سواء مما يُبرز التداخل الكبير بين احتياجاتهم. كما أن المباني العامة المصممة بشكل يضمن إمكانية الوصول الشامل لا تخدم الأشخاص ذوي الإعاقة فحسب بل تفيد أيضاً النساء والأطفال وكبار السن والزوار الجدد.
2.2. السكن والتكيف الحضري مع المتقدمين في السن
يحتاج المتقدمون في السن بشكل متزايد إلى بيئات تعزز الاستقلالية وتقلل من الإجهاد البدني. وتسمح لهم عناصر التصميم المختلفة بالبقاء في منازلهم أثناء التقدم في العمر كما أنها تقلل من الإصابات الناجمة عن السقوط ومن هذه العناصر نذكر هنا المداخل الواسعة والمداخل الخالية من الدرجات والأرضيات البارزة المحسوسة وأسطح العمل القابلة لتعديل الارتفاع. ويُعد التصميم الشامل في المنازل والمجتمعات المحلية أمرًا أساسيًا لحياة آمنة وشاملة. وقد أصبحت أهمية الميزات المكانية أكثر وضوحًا خلال جائحة كوفيد-١٩مثل التصميمات أحادية المستوى والإشارات البصرية الواضحة حيث برزت أهميتها لكبار السن الذين يعانون من ضعف الحركة أو التدهور المعرفي. وتُسلط الدراسات الضوء على كيفية استفادة كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة من نفس التدخلات التصميمية مما يعزز الاستقلالية اليومية ويقلل من الاعتماد على الرعاية المؤسسية.
2.3. التصميم المُركّز على الإعاقة والإبداع المشترك
إن إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في عملية التصميم يؤدي إلى بناء بيئات أكثر أصالة وفعالية. حيث تقدم ممارسات التصميم المشترك نتائج تعكس احتياجات العالم الواقعي وتُعزز سهولة الاستخدام من خلال هذا التصميم الذي يتعاون فيه المستخدمون ذوو الإعاقة مع المخططين والمهندسين المعماريين. وتوصلت دراسة حالة أسترالية حديثة إلى أن دور مثل هذه المشاركة لا يقتصر على تحسين إمكانية الوصول المادي بل إنها تعزز الكرامة والارتباط المجتمعي من خلال الهندسة المعمارية العامة الشاملة.
2.4. الإدماج الاجتماعي وأهمية السياسات
يعزز التصميم الشامل العدالة الاجتماعية من خلال دعم المشاركة المدنية والحد من وصمة العار وتعزيز الراحة النفسية. ولهذا الأمر أهمية سياسية في مختلف القطاعات التي تتعدى مجالات التعليم والنقل العام والرعاية الصحية والإسكان وغيرها. حيث تؤكد الدراسات أن التصميم الشامل في البنية التحتية العامة يزيد من التفاعل الاجتماعي ويقلل من اعتماد المستخدمين المهمشين على مقدمي الرعاية. كما أن الاعتماد على التصميم الشامل منذ البداية يقلل بشكل كبير من تكاليف إعادة التجهيز المستقبلية ويقلل من عواقب استبعاد فئات معينة مما يجعله يعتبر استراتيجية تخطيط مسؤولة ماليًا.
3. مساهمات مركز مدى في مجال إمكانية الوصول في قطر
مركز مدى هو مؤسسة رائدة في مجال البيئات العمرانية القابلة للوصول في قطر. وتضمن هذه المبادرة للجميع بغض النظر عن إعاقتهم سهولة التنقل واستخدام الأماكن العامة. ويُعد مركز مدى اعتبارًا من عام 2025 أول مؤسسة في البلاد تُقدم رسميًا خدمات استشارية في مجال البيئات العمرانية المُيسّرة. ويُقدم المركز الاستشارات للجهات العامة والخاصة بشأن التصميم الشامل استنادًا إلى المعايير العالمية مثل قانون الأمريكيين ذوي الإعاقة (ADA). وتشمل خدماته:
- تدقيق التصميم الشامل للبنية التحتية الجديدة.
- برامج التدريب المهني.
- استشارات الامتثال للمبادئ التوجيهية الدولية.
وتُعيد هذه الجهود تشكيل المجال العام في قطر مما يضمن أن تصبح ميزات معينة مثل المنحدرات والأرصفة اللمسية واللافتات المُيسّرة ميزات قياسية. ويُسهم مركز مدى في سد فجوة جوهرية في المنطقة في هذا المجال حيث لم تكن هذه الخدمات متاحة سابقًا.
الشكل 1: صورة لشخص من ذوي الإعاقة على كرسي متحرك. مراجعة مركز مدى لمستوى إمكانية الوصول في مترو الدوحة. صورة لشخص يتحقق من إمكانية الوصول إلى المصعد
الشكل 2: صورة لجهاز صراف آلي غير قابل للوصول في الدوحة. وجد فريق إمكانية الوصول العديد من أجهزة الصراف الآلي التي يصعب الوصول إليها في فروع بنك قطر المركزي في جميع أنحاء البلاد.
وتبرز جهود مماثلة على الصعيد الإقليمي. فقد أصبح التصميم الشامل إلزامياً وفق القانون في مالطا وعنصراً أساسياً في قوانين التخطيط، أما في ماليزيا فيقوم مستشارو إمكانية الوصول بصياغة استراتيجيات شاملة لتكون جزءاً من السياسات الوطنية. كما تُؤكد دراسة حالة المدينة الذكية في الشرق الأوسط والتي أُجريت في الدوحة على ضرورة تضافر التصميم الرقمي والمادي لضمان تجارب حضرية تحقق المساواة بين جميع الأشخاص. أما في الشرق الأوسط بشكل عام فلا تزال هذه الجهود مُشتتة وإن كانت في ازدياد يوماً بعد يوم. وتُشدد مبادرات متنوعة مثل مشروع التصميم الشامل لمدينة الاسكندرية الذكية على ضرورة دمج إمكانية الوصول في أطر المدن الرقمية والمستدامة. أما في قطر فلا يزال النهج المركزي ومتعدد القطاعات الذي يمارسه مركز مدى نموذجًا فريدًا ورائدًا في مجال تطوير إمكانية الوصول.
4. الخاتمة
تُشير ريادة مركز مدى في تطبيق مبادئ التصميم الشامل في قطر إلى تحول ثقافي أوسع نحو الشمولية وسهولة الوصول في البيئة العمرانية. حيث يعمل المركز على أن تكون التنمية في قطر شاملة وعادلة ومُهيأة للمستقبل من خلال إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في التصميم ومواءمة برامجه مع معايير إمكانية الوصول العالمية.
إن الشمول الحضري ليس ترفًا بل هو حق للجميع. ويُظهر عمل مركز مدى أن التصميم للجميع ليس ممكنًا فحسب بل هو ضروري لبناء مجتمعات يزدهر فيها الجميع.